صحراء نجد عطر.. وشعر.. وأنسام

زورق الليل في صحراء نجد عطر.. وشعر.. وأنسام





قد صفا الجو واستحال نسيماً

وتندّى الهوى فهو يموع

(....)

أحب الليل ونجوم الليالي

حبيباتي أسامرهن لحالي

(خالد الفيصل)



حين تتوغل في ليل نجد.. حيث لا يوجد أي اضاءة سوى نور النجم.. وفضّة القمر.. وعطر النسيم في ليل الصيف.. وترفع رأسك الى قبة السماء.. فإنك تسبح باسم الخالق الأعلى.. الذي أبدع هذا المنظر..
ليل الصحراء.. بعيداً عن أي صوت.. او كهرباء.. اعظم لوحة على وجه الارض.. مرصعة بملايين النجوم.. متوجة ببهاء القمر.. في ارضية مخملية سوداء.. تخطف الالباب.. ونسيم نجد في هدأة الليل.. وفي عز الصيف.. نسيم خجول.. لطيف.. عذب.. رقيق.. ناعم.. ألطف من يد الام تهدهد طفلها.. واعذب من الماء الزلال على الظمأ.. وارق من راحة الوليد.. واجمل خجلاً من خجل الحبيب.. يزورك كأنه نسيم النعيم.. ثم يختفي فيزيد بك الشوق.. ثم يعود اليك باسماً.. نسيم صحراء نجد في الليل كأنما يهب من الفردوس.. اذا مر بك عليلاً جميلاً يسري فيك الابتهاج العابق بالرضا.. وانت تملأ بطهارة هذا النسيم خلاياك.. وحناياك.. وتجاذبه الانفاس.. وتدخله الى صدرك.. وتضمه الى قلبك ضم مشتاق لمشتاق.. ثم يتوقف تماماً وتبدو الصحراء عميقة السكون.. مطبقة الصمت.. وقورة السمت.. حتى يعود نسيمها الرقيق اللعوب.. فيمرح فيها كعصفور.. ويدب مرحه الرقيق في اعضائك.. ويشعرك بالغبطة والسرور.. انه نسيم ارق من دمع العاشق.. الصحراء البكر.. التي لا مصانع فيها ولا كهرباء.. ولا ناس.. الصحراء الشاسعة الارجاء.. اذا نَصَبَ الليل عليها خيمته السوداء.. تومض في سقفها ملايين النجوم.. على بعد سحيق.. ويهب في قيظها نسيم النعيم.. لها سحر لا يعرفه غير من جربه.. سحر يحس ولا يوصف.. فهو لبهائه.. وجماله.. وجلاله.. فوق كل وصف.. انه شيء فريد في الحياة الدنيا..

وإذا رقد الرجل على ظهره، في ليل الصحراء الساجي، المعزول عن أي نور، عدا نور السماء، وعن أي تكييف عدا نسيم الصبا.. ونظر الراقد الى قبة السماء.. وقد ترصعت بملايين النجوم.. وذابت في سوادها فضة القمر.. وتلألأت النجوم.. وهفهف النسيم.. فإنه يرى مشهداً من الجمال لن يراه انسان، لا في باريس.. ولا لندن.. ولا جنيف.. ولا أي مدينة اخرى.. وهو جمال تشترك في الاستمتاع به الحواس: فللنظر متعة ايماض النجوم في قبة السماء.. وللمس لذة مداعبة نسيم الصحراء.. وللشم رائحة النبات البكر.. وللسمع صوت النسيم العليل يمتع أي امتاع.. أما القلب فلذته بدون حدود.. وأما العقل فيتحول كله الى لسان واحد يهتف بوحدانية وعظمة الخالق العظيم..

@@@

وقد فتنن بصحراء العرب كل من زارها او قرأ اوصافها واشعارها، وخاصة ريح الصبا فيها:

ألا يا صبا نجد متى هجت من نجد

لقد زادني مسراك وجداً على وجد

أما مسرى نسيمها في ليل صيفها فيرد الروح:

نسيم كأن مسراه في الأر

واح مسرى الارواح في الاجساد


ومن حبنا لهذا النسيم انه يتدلل كالحبيب الذي يهجر قليلاً ليزيدنا شوقاً:

يا رب ليل سحر كله

متضح البدر عليل النسيم

تلتقط الانفاس برد الندى

فيه، لتهديه لحر السموم

والعرب لا تمدح العلة إلا في النسيم، لأنها تجعله رقيقاً كخد الوردة، لطيفاً كالمحبة، خجولاً كالبكر، يكاد لخجله ورقته يذوب:

قد صفا الجو واستحال نسيماً

وتندى الهوى فهو يموع

وهو نسيم طهور كأنما خرج من النعيم لا تلويث فيه ولا تشوبه شائبة.. يرد الشيخ الى شبابه والعجوز الى صباها، يبهج البائس ويسعد الشقي ويبعث الحياة والنشاط في أكسل الناس.. ويقول الشاعر الشعبي محمد القاضي في وصف نجم يبزغ ثم يختفي، يسميه اهل نجد نجم (المرزم) وهو نجم الشعرى احمر يومض يخرج في القيظ:

يرفرف بنوره كل ما بان واختفى

كما عين غمهوج غنوج لعاشق

والغمهوج: هي الشابة ذات الجمال والدلال.

والغنوج: هي اللعوب.. يشبه هذا النجم الذي يلوح ويختفي بعين حسناء تنظر لعاشقها قليلاً لتلهب عشقه، ثم تختفي عنه ليشتعل اللهيب، ثم تعود.. وهكذا دواليك..

@@@

وفي نجم (المرزم) يقول راشد الخلاوي:

والى ظهر المرزم شبع كل كايف

من الغيد وانحن الليالي الشدايد

وفي نسيم نجد بليل يقول الارجاني:

اضم على قلبي يدي من الوجد

اذا ما سرى وهناً نسيم صبا نجد

ويقول أشجع السلمي:

يذكرني نجداً وطيب عراصها

على ظمأ برد الرياح النواسم


ويقول الابيوردي:

وانشق من ربا نجد نسيماً

يغازل في اباطحه الاقاحي


ويقول ابن نبانه في ليل نجد ونسيمها:

يجر الصبا قلبي اذا جرت الصبا

ويأبى اليها القلب إلا تقلبا

فيا ليل نجد ان ليل تهامة

تنسم نسيماً منك حتى تحببا

وياليل نجد زر تهامة علني

اضيفك قلباً من هواك معذباً

ونسيم نجد نفحات.. كالطيب.. لابن الرومي:

(ألا يا حبذا نفحات نجد)

وللسالمي:

اخلاقه كالروض ذات الورد

هبت عليه نسمات نجد

ونسيم نجد بالسحر (آخر الليل) شفاء للعليل.. ابن المقرب:

أنسيم نجد بالمهتك سحرة

لشفاء ذي الكبد العليل عليلا


وشم هواء نجد وشرب مائها العذب شفاء وسعادة، يقول محمد بن احمد السديري:

أنا من نجد يكفيني هواها

ويبري لوعتي شربي لماها

وليالي نجد محبوبة.. خالد الفيصل:

احب الليل ونجوم الليالي

حبيباتي اسامرهن لحالي

لقيت بصحبة النجمات سلوى

عقب ما فارق الخفاق غال

ألا يا ساريات الليل سيري

على واديه مع مسرى خيالي

هنيك يا نجوم تناظرينه

وانا مالي على النظرة مجال

صبرت وكل حي لو تصبر

الى مالت ليالي العمر مال

ولكني ولو شابت عيوني

احب الليل ونجوم الليالي!

@@@

والليل مسرح العشق، ومسرى الشوق، يستيقظ في هدأته الحنين، ويسهر الوجد، وتولد قصائد الشعر.. وتتوالى الذكريات.. يقول الخلاوي:

وقل يا ليالينا القدام التي مضت

بالاقبال هل لي في لقاكم عوايد؟

فإلى دقت الوسطى البهام تذكرت

عصر مضى.. ما هو لمثلي بعايد


والليل اذا أسعد الانسان مرة.. فإنه لا ينساها.. يظل يتذكرها.. ويتمناها.. يقول ابراهيم بن جعيثن:

البارحة ليلي عسى الله يعوده

يا زين وصل الليل من بين الاحباب

@@@

ومن صحراء العرب خرج الحب القاتل.. وهو يهيج على صاحبه في خيمة الليل:

سجا الليل حتى هاج لي الشعر والهوى

وما البيد إلا الليل والشعر والحب

ملأت سماء البيد عشقاً وارضها

وحملت وحدي ذلك العشق يارب

ألم على ابيات ليلى بي الهوى

وما غير اشواقي دليل ولا ركب

فباتت خيامي خطوة من خيامها

فلم يشفني منها جوار ولا قرب

اذا طاف قلبي حولها جن شوقه

كذلك يطفي الغلة المنهل العذب

يحن اذا شطت ويصبو اذا دنت

فياويح قلبي كم يحن وكم يصبو..!

@@@

وقد ظللت مع صحب لي كرام، نخرج الى ليل الصحراء على مدى ثلاثين عاماً، اذا جاء الصيف، واشتد الحر، ولم يكن هناك سفر، وربما خرجنا في بعض الاسابيع كل ليلة، وفي نهاية الاسبوع كنا - أحياناً - ننام في العراء، تحت خيمة الليل، وفوق أديم الصحراء، وعلى هدهدة النسيم العليل، ولكن (الرياض) ظلت تلاحقنا بالمباني.. وبالانوار.. وبدخان السيارات تحمله الرياح.. وكلما أبعدنا.. زاد زحف الرياض علينا.. حتى يئسنا وتواضعنا وصرنا نقف على حافة الرياض، وحافة الصحراء، واذا اشتد بنا الحنين الى الليالي الصافيات الماضيات، سرنا طويلاً بحثاً عن صحراء خرساء، لا صوت فيها ولا كهرباء، فننعم فيها بليلة من السمر، على التلال العفر، نسامر بعضنا، ونسيم الليل يسامرنا كلنا.. ثم انقطعنا.. او كدنا.. وظلت خيمة الليل في الصحراء تملأ ذاكرتي، وتسري عني، وتجلب لي لذيذ الكرى على ذكراها، اذا جفاني المنام..

@@@

ومع حبي للمطر كعربي اوجعه طول الجفاف، فقد مر في سفر صيفي الى لندن، ليال ممطرات تحتجب فيها السماء، وبعضها كثيف الغيم، اسوده، فكنت أحن الى ليل الرياض، ناهيك عن ليل الصحراء، وكنت اردد مع الشاعر الشعبي "غازي العكشان":

لا الليل ليل الرياض.. ولا السما زرقا

لا الربع ربعي ولا حتى الشعور الشعور


تحياتي
من الارشيف
تنشيط

خيال ~

ملكة الرواسي ,محمد الغنامي ,رحيل معجبون بهذا

يعطيك الف عافيه
على الموضوع الرائع
لاهنت ياخيال

خيال
يعطيك العافيه ع الطرح الرائع
دائمآ مميز بمواضيعك القيمه
شاكره لك وجودك ومجهودك
تقديري لسموك
النجلاء

خيال
الله يعطيك العافية على جهودك الرائعة

خيال مطير

يسلم نقلك وحضورك

طرح جميل وراقي جداً
سجل اعجابي وتقديري

ولك اجمل تحيه

خيال
يعطيك العافية ولا هنت على نقلك الراقي

يعطيكم العافيه مشكورين ع المرور