فلمّا وصلنا إلى بلده التي جاء منها، ودخلنا بيته الذي كان أشبه
بالقبر، رأيت رجالاً كثيراً مثلي يخدمون الرجل،
وكان كلّ واحدٍ منهم يحمل في رقبته قلادةً بها مفتاح، فإذا جاء
الليل دخل كلٌّ منهم سجنه وأغلق القفل بالمفتاح ثمّ نام،
فصرت أفعل مثلما يفعلون، فإذا نام القوم جعلت أنظر في المفتاح
وأتذكّر وجهك الجميل وأبكي،
ذلك أنّه ليس بيني وبينك إلاّ أن أفتح هذا القفل
بالمفتاح الذي معي ثمّ أرحل إليك..
ولقد رأيت من ظلم ذلك الرجل
ما لم يخطر لي على بال… فهو لا يعرف الرحمة، ولا يكترث
لعذاب البشر، وكم سمعت من كان معي من الرجال يبكون
كالأطفال، ويرجونه أن يرفع عنهم ما أوقعه عليهم من السحر،
فكان يقول: أقسم بالله أنّي لا أعرف لهذه التعويذة من خلاص،
ولا ينجو أحدكم بروحه إلاّ إذا مات
وهو يخدمني وأنا عنه راض…
ولقد كبر الرجل وهرم، فلمّا مرض وشارف
على الموت كنت واقفاً بجانب سريره،
فقلت له: يا سيّدي، أنت الآن تموت، ولا نعلم
كيف يكون الخلاص من السحر الذي ابتلينا به…
ضحك الرجل ضحكةً ذكرتني بتلك الضحكة التي
سمعتها يوم رأيته أوّل يوم،
ثمّ قال: يا أيّها الأحمق، أنا لا أعرف شيئاً من السحر،
وما تلك التمتمات التي همستها في أذنك إلاّ كذبةٌ ابتدعتها،
لكنّ نفسك الضعيفة جعلتك عبداً لي، وخوفك من الهلاك جعل
روحك سجينةً في زنزانةٍ أنت تغلقها بيديك،
وقد أعطاك الله عقلاً كالمفتاح الذي وضعتّه في عنقك،
ولولا أنّك رضيت لنفسك الذلّ والهوان لفتحت
باب السجن الذي كنت تعذّب نفسك به،
وكنت أسمع صوت بكائك وأصحابك في الليل
فأعجب من ضعف عقولكم وقلّة حيلتكم…
أسرعت إلى زنزانتي فالتقطتّ فأسي وعدتّ إلى
الرجل أريد أن أقتله فوجدتّه قد فارق الحياة،
ثمّ أخبرت الرجال ما جرى فهرعوا إلى جسده فقطّعوه
وأحرقوه… ثمّ جئتكِ راكضاً، تكاد أرجلي تسبقني،
وأنا أسأل نفسي، أتنتظرني أم هي الآن قد نسيتني؟
نظرت زوجته في عينيه،
وقالت: أنا روحي كانت معك في سجنك،
وكنت في ليلي أنظر إلى القمر فيخبرني
أنّك تنظر إليه، ولقد كنت أحسّ بالقيد الذي في يديك،
فأرجوك أن تفتح القفل بالمفتاح..
لكنّ صوت بكاؤك وبكاء من حولك جعلك لا تسمع
صوتي وأنا أهمس لك.
***
هذه القصة ذكرتني بمقولة أدونيس:
أقسى السجون تلك التي لا جدران لها.
و كما قال العارفون “الحرب تبدأ أولاً في الرأس”
وهي مقولة لا تتعلق بالحرب فقط، بل تشمل كل حركة أو فعل.
الفكرة أولاً وقبل كل شيء. وبحسب الفكرة
تكون النتائج و تكون حياتنا
هناك الكثير من الأفكار التي تسيطر على
عقولنا و كل منا يؤمن بأفكاره و هذا طبيعي جداً
أن تؤمن بأفكارك فهذا من حقك و لكن الشيء
الغير طبيعي هو أن تدعها تسيطر عليك
و تقودك بدون وعي منك
لأن هذا يجعلك تحرم نفسك الكثير
و الكثير بسبب فكرة مسيطرة
هناك من عاش و لا زال يعيش في سجن الخوف
أو حزن دائم أو مرض أو .. أو ..
انه سجن الوهم و السبب فكرة سمعها أو قالها
ثم صدقها و عاشها فكانت له سجن العمر
إذن لابد أن تؤمن بقدراتك و أن لكل باب موصد
مفتاح و أن عناية الله تحيطك من كل جانب
و تفتح لك الأبواب الموصدة
بل تقودك لأبواب مفتوحة تجعلك ترى النور
في دربك و تسير حيث يجب أن تكون
اعجبتني