حسين السبيعي
26-04-2009, 05:40 AM
مختارات أدبية
لئن كان الشعراء أوغلوا في هجاء البخلاء وذمهم ، فإن كثيرا من نجوم الشعر العربي قديما وحديثا كانوا من مقدمة البخلاء ، فعلى رأس القدماء يأتي الشاعر العلم أبو الطيب المتنبي ، ولعل على رأس المعاصرين يأتي الشاعر الكبير محمد مهدي الجواهري. ولكن ذلك السخط الشاعري على البخلاء ناتج في الحقيقة من واقع الفقر الذي عاشه معظمهم ، فيكفينا أن نتذكر من ذلك أن الشاعر الإجتماعي الكبير حافظ إبراهيم لم يجد إلا أن يستجدي جاره حامد سري ليستعير منه حذاء ليلبسه ويحضر به حفلة عرسه ، فقال يستعيره الحذاء ويطلبه الطعام أيضا:
أحَامِدُ كَيْفَ تَنْسَانِـي وَبَيْنِـي=وَبَيْنِكَ يَا أَخِي صِلَةُ الْجِـوَارِ
أَيَشْبَعُ مُصْطَفَى الْخَوْلِي وَأُمْسِي=أُعَالِجُ جَوْعَتِي فِي كِسْرِ دَارِي
وَبَيْتِي فَـارِغٌ لاَ شَـيْءَ فِيـهِ=سِوَايَ ، وَإِنَّنِي فِي الْبَيْتِ عَارِي
وَمَالِي " جَزْمَةٌ " سَوْدَاءُ حَتَّـى=أُوَافِيكُمْ عَلَى قُـرْبِ الْمَـزَارِ
وَعِنْدِي مِنْ صِحَابِي الآنَ رَهْطٌ=أَكَلُوا فَآسَـادٌ ضَـوَارِي
فِإِنْ لَمْ تَبْعَثَـنَّ إِلَـيَّ حَـالاً=بِمَائِدَةٍ عَلَـى مَتْـنِ الْبُخَـارِ
تُغَطِّيهَا مِنَ الْحَلْوَى صُنُـوفٌ=وَمِنْ حَمَـلٍ تَتَبَّـلَ بِالْبِهَـارِ
فِإِنِّي شَاعِرٌ يُخْشَـى لِسَانِـي=وَسَوْفَ أُرِيكَ عَاقِبَةَ احْتِقَارِي
وقبل حافظ إبراهيم بعدة قرون ، وصف شمس الدين الموصلي في القرن الرابع عشر الميلادي بهذه الأبيات المأساوية أحوال معيشته ، وبيته الصغير الذي لم يتسع حتى للرقود والإمتداد ، حيث قال:
أَصْبَحْتُ أَفْقَرَ مَنْ يَرُوحُ وَيَغْتَدِي=مَا فِي يَدِي مِنْ فَاقَـةٍ إِلاَّ يَـدِي
فِي مَنْزِلٍ لَمْ يَحْوِ غَيْرِي قَاعِـداً=وَإِذَا رَقَدْتُ ، رَقَدْتُ غَيْرَ مُمَدَّدِ
لَمْ يَبْقَ فِيهِ سِوَى رُسُومُ حَصِيرَةٍ=وَمِخَدَّةٍ كَانَـتْ لأُِمِّ الْمُهْتَـدِي
مُلْقًى عَلَى طُرَّاحَةٍ فِي حَشْوِهَـا=قَمْلٌ كَمِثْلِ السِّمْسِمِ الْمُتَبَـدِّدِ
وَالْفَأْرُ تَرْكُضُ كَالْخُيُولِ تَسَابَقَتْ=مِنْ كُلِّ جَرْدَاءَ الأَدِيـمِ وَأَجْـرَدِ
هَذَا وَلِي ثَـوْبٌ تَـرَاهُ مُرَقَّعـاً=مِنْ كُلِّ لَوْنٍ مِثْلُ رِيشِ الْهُدْهُـدِ
كما أن الإمام البوصيري ــ صاحب قصيدة البردة المشهورة ــ راح يستجدي الحكام باسم شعراء عصره ، حيث وجه كلامه لوزير الدولة يستعطفه ، فقال:
يَا أَيُّهَا الْمَوْلَى الْوَزِيـرُ الَّـذِي=أَيَّـامُـهُ طَائِـعَـةٌ أَمْـــرَهْ
لَيْـكَ نَشْكُـو حَالَنَـا إِنَّنَـا=حَاشَاكَ مِنْ قَوْمٍ أُولِي عُسْرَةْ
صَامُوا مَـعَ النَّـاسِ وَلَكِنَّهُـمْ=كَانُوا لِمَـنْ أَبْصَرَهُـمْ عِبْـرَةْ
إِنْ شَرِبُوا فَالْبِئْـرُ زِيـرٌ لَهُـمْ=مَا بَرِحَتْ ، وَالشَّرْبَـةُ الْجَـرَّةْ
لَهُـمْ مِـنَ الْخُبَّيْـزِ مَسْلُوقَـةٌ=فِي كُلِّ يَـوْمٍ تُشْبِـهُ النَّشْـرَةْ
أَقُولُ مَهْمَا اجْتَمَعُـوا حَوْلَهَـا=تَنَزَّهُوا فِي الْمَـاءِ وَالْخُضْـرَةْ
وَأَقْبَـلَ الْعِيـدُ وَمَـا عِنْدَهُـمْ=قَمْـحٌ وَلاَ خُبْـزٌ وَلاَ فِـطْـرَةْ
فَارْحَمْهُـمُ إِنْ عَايَنُـوا كَعْكَـةً=فِي كَفِّ طِفْـلٍ أَوْ رَأَوْا تَمْـرَةْ
لئن كان الشعراء أوغلوا في هجاء البخلاء وذمهم ، فإن كثيرا من نجوم الشعر العربي قديما وحديثا كانوا من مقدمة البخلاء ، فعلى رأس القدماء يأتي الشاعر العلم أبو الطيب المتنبي ، ولعل على رأس المعاصرين يأتي الشاعر الكبير محمد مهدي الجواهري. ولكن ذلك السخط الشاعري على البخلاء ناتج في الحقيقة من واقع الفقر الذي عاشه معظمهم ، فيكفينا أن نتذكر من ذلك أن الشاعر الإجتماعي الكبير حافظ إبراهيم لم يجد إلا أن يستجدي جاره حامد سري ليستعير منه حذاء ليلبسه ويحضر به حفلة عرسه ، فقال يستعيره الحذاء ويطلبه الطعام أيضا:
أحَامِدُ كَيْفَ تَنْسَانِـي وَبَيْنِـي=وَبَيْنِكَ يَا أَخِي صِلَةُ الْجِـوَارِ
أَيَشْبَعُ مُصْطَفَى الْخَوْلِي وَأُمْسِي=أُعَالِجُ جَوْعَتِي فِي كِسْرِ دَارِي
وَبَيْتِي فَـارِغٌ لاَ شَـيْءَ فِيـهِ=سِوَايَ ، وَإِنَّنِي فِي الْبَيْتِ عَارِي
وَمَالِي " جَزْمَةٌ " سَوْدَاءُ حَتَّـى=أُوَافِيكُمْ عَلَى قُـرْبِ الْمَـزَارِ
وَعِنْدِي مِنْ صِحَابِي الآنَ رَهْطٌ=أَكَلُوا فَآسَـادٌ ضَـوَارِي
فِإِنْ لَمْ تَبْعَثَـنَّ إِلَـيَّ حَـالاً=بِمَائِدَةٍ عَلَـى مَتْـنِ الْبُخَـارِ
تُغَطِّيهَا مِنَ الْحَلْوَى صُنُـوفٌ=وَمِنْ حَمَـلٍ تَتَبَّـلَ بِالْبِهَـارِ
فِإِنِّي شَاعِرٌ يُخْشَـى لِسَانِـي=وَسَوْفَ أُرِيكَ عَاقِبَةَ احْتِقَارِي
وقبل حافظ إبراهيم بعدة قرون ، وصف شمس الدين الموصلي في القرن الرابع عشر الميلادي بهذه الأبيات المأساوية أحوال معيشته ، وبيته الصغير الذي لم يتسع حتى للرقود والإمتداد ، حيث قال:
أَصْبَحْتُ أَفْقَرَ مَنْ يَرُوحُ وَيَغْتَدِي=مَا فِي يَدِي مِنْ فَاقَـةٍ إِلاَّ يَـدِي
فِي مَنْزِلٍ لَمْ يَحْوِ غَيْرِي قَاعِـداً=وَإِذَا رَقَدْتُ ، رَقَدْتُ غَيْرَ مُمَدَّدِ
لَمْ يَبْقَ فِيهِ سِوَى رُسُومُ حَصِيرَةٍ=وَمِخَدَّةٍ كَانَـتْ لأُِمِّ الْمُهْتَـدِي
مُلْقًى عَلَى طُرَّاحَةٍ فِي حَشْوِهَـا=قَمْلٌ كَمِثْلِ السِّمْسِمِ الْمُتَبَـدِّدِ
وَالْفَأْرُ تَرْكُضُ كَالْخُيُولِ تَسَابَقَتْ=مِنْ كُلِّ جَرْدَاءَ الأَدِيـمِ وَأَجْـرَدِ
هَذَا وَلِي ثَـوْبٌ تَـرَاهُ مُرَقَّعـاً=مِنْ كُلِّ لَوْنٍ مِثْلُ رِيشِ الْهُدْهُـدِ
كما أن الإمام البوصيري ــ صاحب قصيدة البردة المشهورة ــ راح يستجدي الحكام باسم شعراء عصره ، حيث وجه كلامه لوزير الدولة يستعطفه ، فقال:
يَا أَيُّهَا الْمَوْلَى الْوَزِيـرُ الَّـذِي=أَيَّـامُـهُ طَائِـعَـةٌ أَمْـــرَهْ
لَيْـكَ نَشْكُـو حَالَنَـا إِنَّنَـا=حَاشَاكَ مِنْ قَوْمٍ أُولِي عُسْرَةْ
صَامُوا مَـعَ النَّـاسِ وَلَكِنَّهُـمْ=كَانُوا لِمَـنْ أَبْصَرَهُـمْ عِبْـرَةْ
إِنْ شَرِبُوا فَالْبِئْـرُ زِيـرٌ لَهُـمْ=مَا بَرِحَتْ ، وَالشَّرْبَـةُ الْجَـرَّةْ
لَهُـمْ مِـنَ الْخُبَّيْـزِ مَسْلُوقَـةٌ=فِي كُلِّ يَـوْمٍ تُشْبِـهُ النَّشْـرَةْ
أَقُولُ مَهْمَا اجْتَمَعُـوا حَوْلَهَـا=تَنَزَّهُوا فِي الْمَـاءِ وَالْخُضْـرَةْ
وَأَقْبَـلَ الْعِيـدُ وَمَـا عِنْدَهُـمْ=قَمْـحٌ وَلاَ خُبْـزٌ وَلاَ فِـطْـرَةْ
فَارْحَمْهُـمُ إِنْ عَايَنُـوا كَعْكَـةً=فِي كَفِّ طِفْـلٍ أَوْ رَأَوْا تَمْـرَةْ