مهرة يام
19-03-2017, 05:22 PM
في الفصل الحادي عشر عن الدين والصلاة والإيمان يذكر الانجليزي ديكسون ضمن كتابه عرب الصحراء بأن البدو الاقحاح ينتمون جميعا إلى السنة ويتبعون إما المذهب الحنبلي أو المالكي ويصف البدوي الذي يتصف بالقوة والشراسة بالقتال والغزو بأنه يتمتع بأرفع وأرقى مستويات الشرف على المعمورة واعتقاده الذي لا يتزحزح بخالقه الواحد الأحد الذي لا يتجزأ ولا تغفل له عين ولا يغيب عن الوجود وبأنه يؤمن مثله مثل كل عربي ومسلم بأن كل شيء يأتي من عند الله شرا كان أو خيرا ويتخلل هذا الإيمان جميع أطوار حياته ومن هنا شعوره بالسكينة والاستسلام للقضاء والقدر عند مواجهة المصائب مثل الموت أو الخسارة أو الدمار حيث يقابلها بست كلمات (الله أعطى .. والله شاء أن يأخذ) فهذه التقوى وهذا الإذعان لإرادة الله من أبرز سمات رجل الصحراء ولا أخجل (الحديث لديكسون) بأنها كانت تترك في نفسي أثرا عميقا في مناسبات عديدة كما يتبين من القصة التالية :
في عام 1930 م ربطت بي وبزوجتي صداقة حميمة مع أسرة من قبيلة (العجمان) وكانوا يهيمون بين بادية الكويت وشمال الأحساء ويخيمون كل صيف تقريبا عند آبار أبي حليفة على بعد ثلاثين ميلا إلى الجنوب من الكويت وأحيانا الشعيبة التي تبعد عشرة أميال أخرى إلى الجنوب. وكان سيد الخيمة من قبيلة العجمان.. كان رجلا وسيما كبير السن ذا ملامح خشنة ويبلغ الستين من العمر، وكان له أربعة أبناء كبار وابنة واحدة اسمها سارة. وأصبحت سارة الصغيرة تدير شؤون بيت والدها – وكنا أنا وزوجتي كثيرا ما نزور خيمة سارة، وكانت عندما لا يكون هناك رجال غرباء تفرش لحافها القرمزي على الأرض في حجرة النساء لنجلس عليه أنا وزوجتي وكنا نتحدث معها ومع والدها في شؤون الصحراء ونحن نحتسي القهوة والتي كانت سارة تقدمها لنا بنفسها وكنا نادرا ما نرى إخوتها، فقد كانوا يقضون معظم وقتهم مع الإبل.
ويمضي إلى أن لسارة العجمي ابنًا واحدًا اسمه (عبدالله) في السنة الثانية من العمر كان طفلا وسيما محبوبا لديهم جميعا، وفي أحد الأيام أصيب الطفل فجأة بمرض مميت فكان ديكسون يذهب ليعوده كل يوم تقريبا، وفعل كل ما يستطيع من أجله الا ان صحة الطفل كانت تسوء يوما بعد يوم، وكانت رؤية ما يبديه كلا الجدين والأم من الحب والقلق والرعاية نحو الطفل الذي كان يناضل من أجل الحياة من الأمور المبهجة إذ يمثل هذا الطفل أعز ما يملكونه في الحياة ولاحظ ديكسون أن الدموع لا تكاد تجف من مقلتي الأم المتحسرة سارة التي كانت تبكي بألم وصمت وهو يحاول إقناع الطفل بشرب بعض الأدوية التي جلبها معه للتخفيف من آلامه وخفض حرارته العالية، وفيما كانت قوة الطفل المسكين في تراجع متزايد فإن حزن الأم الصامت كان يمزق القلب ويدعو لليأس خصوصا أن كل محاولات إقناعها بنقل الطفل إلى طبيب المستشفى الأمريكي في الكويت باءت جميعها بالفشل.
إلى هنا يقول ديكسون: في صباح أحد الأيام أتيت كعادتي لأعود الطفل المريض، وفيما أنا أقترب من الخيمة، خرجت سارة لتحيينا وهي ترتدي أجمل ما لديها من ثياب . وقد جفت الدموع في مآقيها، ولم يكن والدها مجودا، فجلست كعادتي غير أنني أحسست أن شيئا ما قد حدث، ولم أكن أدري ما هو، الا أنني بقيت صامتا. فأعدت سارة القهوة وقدمتها لنا، وحتى أنها ما زحتني وروت لي قصة مسلية، فأسرعت أسألها: (أين عبد الله الصغير).. كيف حاله اليوم ؟ فكتمت المرأة المسكينة عبرتها وأشارت إلى (كومة من التراب) أمام الخيمة على بعد لا يزيد على عشرين ياردة وقالت : إنه يرقد هناك، لقد دفنته منذ نصف ساعة. ! إن الله أعطاني إياه والله أخذه، شكرا لله.
في تلك اللحظة حضر والد سارة وعند ما حاولت التعبير عن حزني وتقديم التعازي ضحك ضحكة عالية وخشنة وقال الحمد لله إنه سيعطينا غيره وربما أكثر من ذلك بكثير. نحن رجال العجمان رجال مقاتلون والله برحمته يفعل ما يشاء ويجب أن نضحك دوما عند الموت سواء جاء عن طريق المرض أو من رصاصة طائشة، لقد تركت هذه الصورة في ذاكرتي أثرا لا يمحى وسيمضي وقت طويل قبل أن أنسى عيني سارة الحزينتين وقد جف الدمع في مآقيها.
وفقدت الفتاه المسكينة زوجها أيضا بعد سنة إذ طلقها، وقد ذهبت سارة الصغيرة أخيرا إلى نجد والرياض، ثم تزوجت وقد كتبت وأخبرتنا بعد عام أنها قد أنجبت طفلا، كما تذكر مفكرتي أيضا أنها في عام 1933م أهدت زوجها طفلة صغيرة وفي عام 1936 م سمعت من والدها بأن الجدري قد أودى بحياة أحد أطفالها.. يالسارة المسكينة.
في عام 1930 م ربطت بي وبزوجتي صداقة حميمة مع أسرة من قبيلة (العجمان) وكانوا يهيمون بين بادية الكويت وشمال الأحساء ويخيمون كل صيف تقريبا عند آبار أبي حليفة على بعد ثلاثين ميلا إلى الجنوب من الكويت وأحيانا الشعيبة التي تبعد عشرة أميال أخرى إلى الجنوب. وكان سيد الخيمة من قبيلة العجمان.. كان رجلا وسيما كبير السن ذا ملامح خشنة ويبلغ الستين من العمر، وكان له أربعة أبناء كبار وابنة واحدة اسمها سارة. وأصبحت سارة الصغيرة تدير شؤون بيت والدها – وكنا أنا وزوجتي كثيرا ما نزور خيمة سارة، وكانت عندما لا يكون هناك رجال غرباء تفرش لحافها القرمزي على الأرض في حجرة النساء لنجلس عليه أنا وزوجتي وكنا نتحدث معها ومع والدها في شؤون الصحراء ونحن نحتسي القهوة والتي كانت سارة تقدمها لنا بنفسها وكنا نادرا ما نرى إخوتها، فقد كانوا يقضون معظم وقتهم مع الإبل.
ويمضي إلى أن لسارة العجمي ابنًا واحدًا اسمه (عبدالله) في السنة الثانية من العمر كان طفلا وسيما محبوبا لديهم جميعا، وفي أحد الأيام أصيب الطفل فجأة بمرض مميت فكان ديكسون يذهب ليعوده كل يوم تقريبا، وفعل كل ما يستطيع من أجله الا ان صحة الطفل كانت تسوء يوما بعد يوم، وكانت رؤية ما يبديه كلا الجدين والأم من الحب والقلق والرعاية نحو الطفل الذي كان يناضل من أجل الحياة من الأمور المبهجة إذ يمثل هذا الطفل أعز ما يملكونه في الحياة ولاحظ ديكسون أن الدموع لا تكاد تجف من مقلتي الأم المتحسرة سارة التي كانت تبكي بألم وصمت وهو يحاول إقناع الطفل بشرب بعض الأدوية التي جلبها معه للتخفيف من آلامه وخفض حرارته العالية، وفيما كانت قوة الطفل المسكين في تراجع متزايد فإن حزن الأم الصامت كان يمزق القلب ويدعو لليأس خصوصا أن كل محاولات إقناعها بنقل الطفل إلى طبيب المستشفى الأمريكي في الكويت باءت جميعها بالفشل.
إلى هنا يقول ديكسون: في صباح أحد الأيام أتيت كعادتي لأعود الطفل المريض، وفيما أنا أقترب من الخيمة، خرجت سارة لتحيينا وهي ترتدي أجمل ما لديها من ثياب . وقد جفت الدموع في مآقيها، ولم يكن والدها مجودا، فجلست كعادتي غير أنني أحسست أن شيئا ما قد حدث، ولم أكن أدري ما هو، الا أنني بقيت صامتا. فأعدت سارة القهوة وقدمتها لنا، وحتى أنها ما زحتني وروت لي قصة مسلية، فأسرعت أسألها: (أين عبد الله الصغير).. كيف حاله اليوم ؟ فكتمت المرأة المسكينة عبرتها وأشارت إلى (كومة من التراب) أمام الخيمة على بعد لا يزيد على عشرين ياردة وقالت : إنه يرقد هناك، لقد دفنته منذ نصف ساعة. ! إن الله أعطاني إياه والله أخذه، شكرا لله.
في تلك اللحظة حضر والد سارة وعند ما حاولت التعبير عن حزني وتقديم التعازي ضحك ضحكة عالية وخشنة وقال الحمد لله إنه سيعطينا غيره وربما أكثر من ذلك بكثير. نحن رجال العجمان رجال مقاتلون والله برحمته يفعل ما يشاء ويجب أن نضحك دوما عند الموت سواء جاء عن طريق المرض أو من رصاصة طائشة، لقد تركت هذه الصورة في ذاكرتي أثرا لا يمحى وسيمضي وقت طويل قبل أن أنسى عيني سارة الحزينتين وقد جف الدمع في مآقيها.
وفقدت الفتاه المسكينة زوجها أيضا بعد سنة إذ طلقها، وقد ذهبت سارة الصغيرة أخيرا إلى نجد والرياض، ثم تزوجت وقد كتبت وأخبرتنا بعد عام أنها قد أنجبت طفلا، كما تذكر مفكرتي أيضا أنها في عام 1933م أهدت زوجها طفلة صغيرة وفي عام 1936 م سمعت من والدها بأن الجدري قد أودى بحياة أحد أطفالها.. يالسارة المسكينة.