خيال مطير
19-05-2016, 02:25 PM
الخميس 12 شعبان 1437 هـ- 19 مايو 2016م
أحاديث في الأدب الشعبي
التربية وسمعة الأسرة ترجحـان معـاييـر اختيـار الزوجـة
http://static3.ealriyadh.com/media/cache/4e/60/4e604846dffab2982c75fad08ebcb723.jpg
نساء يحضرن الماء والحطب من خارج المنزل
عبدالرحيم الأحمدي
الزوجة شريك أصل وأساس في مؤسسة الأسرة أقدم المؤسسات الاجتماعية وأبقاها في مسيرة الحياة البشرية، وذلك لما يعلق عليها من آمال. من أجل ذلك تحرص الأسر على اختيار زوجات لأبنائها ممن يحققن الآمال المنشودة، والآمال متغيرات تؤسس على التقاليد المعاصرة بل على الفضائل ومكارم الأخلاق، ومهما يكن عنصر الجمال واحداً من أهم معايير الاختيار إلا أن المعايير تتوقف على رؤية الزوج وتطلعه لمستقبل يملأ حياته سعادة بناتج زواجه، ولقد راعت العرب معايير اختيار الزوجة وحذروا من المغريات الشكلية، ونبه الإسلام إلى اختيار الزوجة الصالحة. ونحن نرى اليوم كيف تبدلت المعايير وفق المتغيرات الاجتماعية والاقتصادية، وأصبح التعليم والوظيفة من أهم المعايير ولكن تظل الأسرة عنصراً أساسياً لعلاقته بالتربية، وللزوجة حق الموافقة وفق رؤيتها واختيارها للزواج.
على أية حال، لم يكن الجمال معياراً أساساً عند بعض الرجال في الماضي، بل التربية وسمعة أسرة الزوجة معيار يرجح بكل المعايير، يروي الصديق محمد بن دخيل العصيمي رحمه الله في كتابه (شعراء عتيبة) قصة تناولتها معظم كتب التراث الشعبي، ومجمل القصة أن محمد الفهيد كان من الرجال المعروفين بكرم الأخلاق، وهو من أهل القصيم، معاصر للدولة السعودية الأولى، وقدم ذات مرة إلى بلدة قصيبا من بلدات القصيم لاحضار بعض الغراس منها، وفي الطريق إليها عاج ورفاقه إلى ظل شجرة لإعداد الغدا (قرص جمر) وكان بقربهم فتاة ترعى أغنامها غير ملتفتة إليهم، ولم تخش أذى منهم فقيم المجتمع تشعرها بالاطمئنان والأمن. وبعد أن نضج الغداء قدم الرجال لها شيئاً منه إلا أنها لم تقبل ذلك تعففاً، وقد ظنه الرجل حياء فعلقوه بأحد فروع الشجرة وغادروا المكان، وعند عودتهم وجدوا الطعام كما تركوه فأيقن الفهيد بشمم الفتاة وعفتها وعزتها، وبهذا وقعت من نفسه موقعاً جميلاً وظل يسأل عن أبيها حتى عرفه فزاده ذلك رغبة في الزواج منها فتقدم إليه خاطباً. تردد الرجل في القبول لأنها ليست أجمل بناته. وأنه يعرف عن الرجل وكرمه ونبل أخلاقه ما يود أن ينكحه من خيار بناته، لاحظ الفهيد تردد الرجل وأدرك سبب تردده، وربما أشار عليه بأخت لها، فقال له إنه رآها ويريدها هي، وتم الزواج فوجدها كما يريد وولاها شؤون المنزل وسلمها مفاتيح مخازنه وأطلق يدها لتتصرف كما تشاء، وكان رجلاً مضيافاً، فما أن تلاحظ قدوم ضيوف إلى مجلسه حتى تسأل خدمه عنهم وعن عددهم وتأمر أحد الخدم بذبح العدد المناسب من الخراف وتقوم بإعداد الطعام والفهيد لم يغادر مجلسه يؤانس ضيوفه ويتحدث إليهم مرحباً ومداعباً حتى إذا حان وقت تقديم الطعام اصطحبهم إليه، وقد عرف عنه ذلك مراراً وتكراراً.
وحدث مرة أن زاره أمير القصيم حينها ابن سليم وقد استضاف الفهيد من قبل إلا أن الضيف وجد مضيفه على غير عادته، يجلس مع ضيوفه ويغادرهم بين الفينة والأخرى، مما شغل ابن سليم باختلاف عادة الفهيد وظن أنه يعاني من عارض من أمور الحياة فاستوقفه عند المغادرة متسائلاً: يا محمد أنا أبا انشدك عن شيء بدر في ذهني وملاحظة لاحظتها عليك هذا العام. فأجابه الفهيد: أنا أخبرك عن الذي بدر في خاطرك، عندما مررت بي في العام الماضي ومعك عدد كثير من الرجال لم أغادر مجلسي طوال الوقت على خلاف هذا العام، ذلك أن زوجتي في العام الماضي (مطيرة) قدمت إلى جوار ربها وكانت تكفيني مسألة الإشراف على إعداد القرى، وتزوجت بأخرى ليس لديها خبرة ولا تحسن التدبير، فكنت أذهب إليها للتوجيه والاطمئنان على سير الأمور. ثم أسمعه أبياتاً يرثيها.
إن حياة الصحراء تفرض على أبنائها نمطاً من القيم والعادات والتقاليد تمليها عليهم طبيعة الصحراء القاسية في زمن مختلف وظروف صعبة مختلفة تدفع أبناءها لسن فضائل تخفف من معاناتهم ومعاناة عابري السبيل الذين لا يمكلون ما يكفيهم من الماء والطعام لبلوغ مأمنهم.
وربما لا يستطيعون حمل ذلك أو معرفة الطريق وقد يتعرض لهم قطاع الطرق فيسلبون ما معهم لهذا وجد من يخفف وطأة هذه الحياة.
ومن يعرف تلك الظروف يقدر قيمة ما يؤديه الفهيد ومطيرة وسواهم ممن كانوا سحائب رحمة تظل صحراء واسعة ذات مظامئ ومتاهات. أما أبيات الرثا فهي:
أطلب عسى الجنة منازل مطيرة
حيث أن به طبع على البيض ما صار
ما معجبٍ زينه ولو هي نضيرة
قصدي تنومسني إلى جون خطار
مع زينه الوافي بها زود سيرة
دبرة وعرف وكل شيٍ بمقدار
لا جوا على هجنٍ من ارض الجزيرة
وتعومسوا عنهم رديين الأشوار
إن جيت للمطبخ إلى فيه نيرة
تلقى الحطب عنده تقل شغل نجار
ما هي بخطوى العلة المستديرة
يجي العتيم وطامي القدر ما فار
يا دلاك وين اللي خطاها قصيرة
من جيته ما قط فاخت عن الدار
يا عنك ما يسمع نباها قصيره
ولا قط شفت الغيظ منها والاكدار
إلا ومع قصرة خطاها ستيرة
جتنا وراحت ما سمع صوتها الجار
أبيات قليلة أجملت خصال مطيرة من صبر وتحمل وتميز على نساء زمنها، وحسن تدبير، ومحاسن جعلتها في نظر الفهيد جميلة، إذ الجمال ليس شكلاً فقط وإنما هو معنى.
وما يقال عن مطيرة يقال عن أخواتها الثلاث الأخريات اللائي اختارهن أمثال الفهيد من الرجال المعروفين بمكارم الأخلاق.
ويذكر أن ابن رشيد أمير حائل زار الفهيد وأكل عنده جريشاً فأعجبه، فطلب من الفهيد أن يمده بشيء من القمح الذي عمل منه هذا الجريش، فزوده بكمية كبيرة منه، وعندما أعده الطباخ في حائل وقدمه للأمير لم يجد الطعم الذي كان عليه جريش الفهيد، فغضب وعاتب الفهيد ولامه وقال له: إنك لم تعطنا من قمح ذلك الجريش، فأجابه الفهيد: السر أننا لم نعطك يدين مطيرة.
هذا عن مجتمع قديم وظروف مختلفة قد لا تكون معاييره مناسبة لهذا الزمن، وقد ينظر لها نظرة استهجان، لكن الحكم ليس بيدنا، فلكل زمن اعتبارات يقررها أهله، غير أن الفضائل والمحاسن تتجدد مع كل زمان وفي كل مكان وفق تطلعات أهله، ونحن صناع العادات والتقاليد والقيم، والعدل أن نحترم قيم الآخرين مهما تعارضت مع رؤانا وتقديرنا
http://www.alriyadh.com/media/cache/79/37/79378e48f2f1d1a522fd093807ef94e1.jpg
إعداد الطعام يحتاج إلى مجهود مضاعف
تحياتي
خيال~
أحاديث في الأدب الشعبي
التربية وسمعة الأسرة ترجحـان معـاييـر اختيـار الزوجـة
http://static3.ealriyadh.com/media/cache/4e/60/4e604846dffab2982c75fad08ebcb723.jpg
نساء يحضرن الماء والحطب من خارج المنزل
عبدالرحيم الأحمدي
الزوجة شريك أصل وأساس في مؤسسة الأسرة أقدم المؤسسات الاجتماعية وأبقاها في مسيرة الحياة البشرية، وذلك لما يعلق عليها من آمال. من أجل ذلك تحرص الأسر على اختيار زوجات لأبنائها ممن يحققن الآمال المنشودة، والآمال متغيرات تؤسس على التقاليد المعاصرة بل على الفضائل ومكارم الأخلاق، ومهما يكن عنصر الجمال واحداً من أهم معايير الاختيار إلا أن المعايير تتوقف على رؤية الزوج وتطلعه لمستقبل يملأ حياته سعادة بناتج زواجه، ولقد راعت العرب معايير اختيار الزوجة وحذروا من المغريات الشكلية، ونبه الإسلام إلى اختيار الزوجة الصالحة. ونحن نرى اليوم كيف تبدلت المعايير وفق المتغيرات الاجتماعية والاقتصادية، وأصبح التعليم والوظيفة من أهم المعايير ولكن تظل الأسرة عنصراً أساسياً لعلاقته بالتربية، وللزوجة حق الموافقة وفق رؤيتها واختيارها للزواج.
على أية حال، لم يكن الجمال معياراً أساساً عند بعض الرجال في الماضي، بل التربية وسمعة أسرة الزوجة معيار يرجح بكل المعايير، يروي الصديق محمد بن دخيل العصيمي رحمه الله في كتابه (شعراء عتيبة) قصة تناولتها معظم كتب التراث الشعبي، ومجمل القصة أن محمد الفهيد كان من الرجال المعروفين بكرم الأخلاق، وهو من أهل القصيم، معاصر للدولة السعودية الأولى، وقدم ذات مرة إلى بلدة قصيبا من بلدات القصيم لاحضار بعض الغراس منها، وفي الطريق إليها عاج ورفاقه إلى ظل شجرة لإعداد الغدا (قرص جمر) وكان بقربهم فتاة ترعى أغنامها غير ملتفتة إليهم، ولم تخش أذى منهم فقيم المجتمع تشعرها بالاطمئنان والأمن. وبعد أن نضج الغداء قدم الرجال لها شيئاً منه إلا أنها لم تقبل ذلك تعففاً، وقد ظنه الرجل حياء فعلقوه بأحد فروع الشجرة وغادروا المكان، وعند عودتهم وجدوا الطعام كما تركوه فأيقن الفهيد بشمم الفتاة وعفتها وعزتها، وبهذا وقعت من نفسه موقعاً جميلاً وظل يسأل عن أبيها حتى عرفه فزاده ذلك رغبة في الزواج منها فتقدم إليه خاطباً. تردد الرجل في القبول لأنها ليست أجمل بناته. وأنه يعرف عن الرجل وكرمه ونبل أخلاقه ما يود أن ينكحه من خيار بناته، لاحظ الفهيد تردد الرجل وأدرك سبب تردده، وربما أشار عليه بأخت لها، فقال له إنه رآها ويريدها هي، وتم الزواج فوجدها كما يريد وولاها شؤون المنزل وسلمها مفاتيح مخازنه وأطلق يدها لتتصرف كما تشاء، وكان رجلاً مضيافاً، فما أن تلاحظ قدوم ضيوف إلى مجلسه حتى تسأل خدمه عنهم وعن عددهم وتأمر أحد الخدم بذبح العدد المناسب من الخراف وتقوم بإعداد الطعام والفهيد لم يغادر مجلسه يؤانس ضيوفه ويتحدث إليهم مرحباً ومداعباً حتى إذا حان وقت تقديم الطعام اصطحبهم إليه، وقد عرف عنه ذلك مراراً وتكراراً.
وحدث مرة أن زاره أمير القصيم حينها ابن سليم وقد استضاف الفهيد من قبل إلا أن الضيف وجد مضيفه على غير عادته، يجلس مع ضيوفه ويغادرهم بين الفينة والأخرى، مما شغل ابن سليم باختلاف عادة الفهيد وظن أنه يعاني من عارض من أمور الحياة فاستوقفه عند المغادرة متسائلاً: يا محمد أنا أبا انشدك عن شيء بدر في ذهني وملاحظة لاحظتها عليك هذا العام. فأجابه الفهيد: أنا أخبرك عن الذي بدر في خاطرك، عندما مررت بي في العام الماضي ومعك عدد كثير من الرجال لم أغادر مجلسي طوال الوقت على خلاف هذا العام، ذلك أن زوجتي في العام الماضي (مطيرة) قدمت إلى جوار ربها وكانت تكفيني مسألة الإشراف على إعداد القرى، وتزوجت بأخرى ليس لديها خبرة ولا تحسن التدبير، فكنت أذهب إليها للتوجيه والاطمئنان على سير الأمور. ثم أسمعه أبياتاً يرثيها.
إن حياة الصحراء تفرض على أبنائها نمطاً من القيم والعادات والتقاليد تمليها عليهم طبيعة الصحراء القاسية في زمن مختلف وظروف صعبة مختلفة تدفع أبناءها لسن فضائل تخفف من معاناتهم ومعاناة عابري السبيل الذين لا يمكلون ما يكفيهم من الماء والطعام لبلوغ مأمنهم.
وربما لا يستطيعون حمل ذلك أو معرفة الطريق وقد يتعرض لهم قطاع الطرق فيسلبون ما معهم لهذا وجد من يخفف وطأة هذه الحياة.
ومن يعرف تلك الظروف يقدر قيمة ما يؤديه الفهيد ومطيرة وسواهم ممن كانوا سحائب رحمة تظل صحراء واسعة ذات مظامئ ومتاهات. أما أبيات الرثا فهي:
أطلب عسى الجنة منازل مطيرة
حيث أن به طبع على البيض ما صار
ما معجبٍ زينه ولو هي نضيرة
قصدي تنومسني إلى جون خطار
مع زينه الوافي بها زود سيرة
دبرة وعرف وكل شيٍ بمقدار
لا جوا على هجنٍ من ارض الجزيرة
وتعومسوا عنهم رديين الأشوار
إن جيت للمطبخ إلى فيه نيرة
تلقى الحطب عنده تقل شغل نجار
ما هي بخطوى العلة المستديرة
يجي العتيم وطامي القدر ما فار
يا دلاك وين اللي خطاها قصيرة
من جيته ما قط فاخت عن الدار
يا عنك ما يسمع نباها قصيره
ولا قط شفت الغيظ منها والاكدار
إلا ومع قصرة خطاها ستيرة
جتنا وراحت ما سمع صوتها الجار
أبيات قليلة أجملت خصال مطيرة من صبر وتحمل وتميز على نساء زمنها، وحسن تدبير، ومحاسن جعلتها في نظر الفهيد جميلة، إذ الجمال ليس شكلاً فقط وإنما هو معنى.
وما يقال عن مطيرة يقال عن أخواتها الثلاث الأخريات اللائي اختارهن أمثال الفهيد من الرجال المعروفين بمكارم الأخلاق.
ويذكر أن ابن رشيد أمير حائل زار الفهيد وأكل عنده جريشاً فأعجبه، فطلب من الفهيد أن يمده بشيء من القمح الذي عمل منه هذا الجريش، فزوده بكمية كبيرة منه، وعندما أعده الطباخ في حائل وقدمه للأمير لم يجد الطعم الذي كان عليه جريش الفهيد، فغضب وعاتب الفهيد ولامه وقال له: إنك لم تعطنا من قمح ذلك الجريش، فأجابه الفهيد: السر أننا لم نعطك يدين مطيرة.
هذا عن مجتمع قديم وظروف مختلفة قد لا تكون معاييره مناسبة لهذا الزمن، وقد ينظر لها نظرة استهجان، لكن الحكم ليس بيدنا، فلكل زمن اعتبارات يقررها أهله، غير أن الفضائل والمحاسن تتجدد مع كل زمان وفي كل مكان وفق تطلعات أهله، ونحن صناع العادات والتقاليد والقيم، والعدل أن نحترم قيم الآخرين مهما تعارضت مع رؤانا وتقديرنا
http://www.alriyadh.com/media/cache/79/37/79378e48f2f1d1a522fd093807ef94e1.jpg
إعداد الطعام يحتاج إلى مجهود مضاعف
تحياتي
خيال~