عيد الرحيمي
09-01-2009, 02:03 PM
http://www.alweeam.com/news/newsm/7175.jpg
بعد أن استولى على بريده الالكتروني....(هاكرز) يكشف أخطر أسرار الكاتب محمد الرطيان
أجبر أحد الهاكرز الكاتب الصحفي والمثقف السعودي محمد الرطيان ، على إفشاء أحد أهم أسراره بعد أن استولى على بريده الالكتروني .
فقد تمكن أحد الأشخاص من سرقة البريد الالكتروني للرطيان (rotayyan@hotmail.com) ، الذي يحوي عدد من مراسلاته ، من بينها أوراقاً من رواية أنهى الرطيان كتابتها مؤخراً ، ويضع اللمسات الأخيرة عليها ، استعداداً لتسليمها لدار نشر لم يحددها بعد .
ووفقاً لما تسرّب من الراوية الأولى للرطيان التي وسمها بـ "ما تبقى من أوراق محمد الرطيان " ، فقد عدّها البعض بأنها ستكون الحدث الثقافي الأبرز لعام 2009 ، لما توافرت عليه من مقومات غاية في الإثارة ، امتداداً للتاريخ المثير للجدل لكاتبها ، الذي لازال يحصد نتاجه الأول "كتاب" نجاحات كبيرة رغم أن عمره لم يتجاوز بضعة شهور ، لكنها –أي الراوية- ربما لن تفسح في السعودية لتضمنها طروحات سياسية واجتماعية جريئة جداً ، وغاية في الإثارة ، مما يجعل التنافس متوقعاً بين دور النشر للظفر بالراوية !
وعمد الرطيان إلى نشر بعض الأوراق التي استولى عليها اللص الالكتروني ، في بعض المواقع الأدبية على شبكة الإنترنت ، خوفاً من تعرضها للسرقة ، خاصة وأن الرواية لم تر النور بعد .
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــــــــــــــــــــ
بعض الأوراق التي إستولى عليها اللص ، ونشرها محمد الرطيان في عدد من المواقع على شبكة الانترنت :
اعتاد الرواة على كتابة مثل هذه الكلمات :
هــذه الرواية عمل من صنع الخيال ، وأي تشابه بين أحداثها
أو أسماء الشخصيات الواردة فيها مع أحداث وشخصيات واقعية
هو مجرد مصادفة .
كم هي ساذجة وكاذبة هذه الكلمات !
إلى :
" تاء " .. امرأة لا تشبه بقية النساء
ــــــــــــــــــــــــــــــ
السادة الكرام / دار " السـاقي " للنشر والطباعة والتوزيع
تحية طيبة .. وبعد :
سبق لي قبل فترة الاتصال بأحد موظفي الدار – اسمه عصام – وأخبرته عن هذه الأوراق ومحتواها ، واتفقت معه على أن أرسلها لكم ، مضافاً إليها بعض ما كتبته بين ثنايا هذه الأوراق ، ظناً مني أن هناك ما يجب أن أقوله عن هذه الحكاية ...
هل قلت حكاية ؟
أنا – بصراحة – لا أعرف هل هي مذكرات ، أو حكاية أو رواية ، أم سيرة ذاتية ؟.. لا يعنيني الآن إلى أي شكل من أشكال الكتابة تنتمي هذه الأوراق .. الذي يعنيني أن ترى هذه الأوراق النور .. لأنني أظن أن هذه هي رغبة محمد الوطبان ، وأن هذا هوالسبب الذي جعله يأتمنني على أوراقه قبل أن يغيب . وأنا مستعدة لدفع ما تطلبونه مقابل الاهتمام بها ونشرها كما يليق .
وأعترف لكم أنني لا أجيد الكتابة ، حتى وإن كان هذا المكتوب " رسالة " عادية ( يخيّل لي الآن أن أحدكم سيقول ساخرا : لستِ بحاجة لهذا الإعتراف .. فما نقرأه الآن يكفيك هذا العناء ) لهذا لكم الحق كاملا ً بإعادة صياغة ما أكتبه ، على أن لا يمس المضمون . أما أوراق محمد الوطبان فأرجو أن تظل كما هي ، دون تعديل أو تبديل .. حتى الأوراق غير المكتملة ، تنشر بشكلها غير مكتملة !
وأكرر لكم ما قلته للأستاذ عصام سابقاً وهو أن تظل شخصيتي بعيدة عن وسائل الإعلام ، وأن يستمر التواصل معي عبر االبريد الإلكتروني .
هذه هي أوراق محمد الوطبان
وإن شئتم : هي أوراق أبو معاذ الطائي
وإن شاءت أيامي الحلوة : هي أوراق فارس سعيد .
ولا تستغربوا كثيراً ، فالثلاثة هم نفس الشخص ، ويخيّل لي أني عرفتهم جميعاً .. وأحببتهم جميعاً !
دمتم بخير
السيدة / تـاء
t1987t@gmail.com
جدة – السعودية
25 سبتمبر 2008 م
الورقة رقم " 1 "
ما الذي أحاول أن أقوله ؟
أحياناً أشعر أنني أقول كلاماً غير مرتب ، وأحياناً أقول كلاماً قد لا أفهمه .
هل يجب أن يكون لكل شيء معنى ؟!
هل أحاول عبر هذه الأوراق ، والتي لا أدري ما الذي سأقوله فيها لاحقاً ، أن أعالج نفسي ؟
هنالك من يرى أن الكتابة علاج ، وهناك من يقول إنها المرض !
كأن هذه الأوراق عيادة طبيب نفساني ، وعند الكتابة أستلقي على أريكته الأنيقة لأثرثر .
سيسألني عن علاقتي مع أمي ، وعن أول علاقة جنسية مارستها في حياتي ، ومع من مارستها ؟.. يخيّل لي أن الأطباء النفسانيين مجموعة من المرضى ، وأولهم السيّد " فرويد " .
كأنني سمعت وقع أقدام في ممر الدور الذي أسكن فيه !
* وقع أقدام في الممر ؟!.. أهاه !
والله لا يوجد من أصوات سوى تلك الأصوات التي تعبر في ممرات رأسك .
أنهض من مقعدي وأذهب إلى الباب لأنظر عبر العين السحريـة :
" إنه أحـد الجيران " .
* أي جار ؟!.. لا يوجد في هذا الدور سواك ، بل يخيّل لي أنك الساكن الوحيد في هذا المبنى بكافة أدواره الثلاثة . ألم تفكر ولو للحظة أن المبنى بأكمله قد يكون ملكاً لـ" الجهاز " ؟!
أردت أن أعود إلى مكاني لأكمل ما كتبته ولكنني لم أستطع ..
أنظر إلى منفضة السجائر " واحدة .. اثنتان .. ثلاث ... سبع سجائر في ساعة " !
أشعر بأمر مريب .. أنهض من مقعدي لأتفقد غرف شقتي الصغيرة بقلق .
أرفع طرف ستارة نافذة الصالة المطلة على الشارع :
" لا شيء " .
ألمح وجها ً يفزعني .. إنه وجهي في المرآة المثبتة فوق المغسلة ..
أنظر إلى وجهي في المرآة ، وأسأله : من أنت ؟
يقول لي : أنا .. أنت !
أرد بعصبية واضحة : ولكنك لا تشبهني ؟
يقول لي بهدوء : اسأل نفسك من الذي تغيّر فينا ؟.. ثم ستكتشف من الذي لم يعد شبيهاً بالآخر .
قلت له : أنت .. أينا ؟!
قال لي : أنا .. جميعكم !
قلت له : لا تراوغ ...
قاطعني بغضب : لا أراوغ !.. أنت الذي علمتني المراوغة . لم أكن سوى وجه محمد الوطبان ، والآن لا أدري هل أنا وجه محمد الوطبان أم وجه فارس سعيد أم وجه أبو معاذ .. أم أنني وجه رابع تخفيه ولا أعرف اسمه !
وأضاف : ولكن .. قل لي أنت .. من أنت ؟
قلت : أظنني .. أنت .
وانتهى الحوار بيننا ، ونحن لم نعرف أينا الآخر ؟
* يا إلهي .. هذا جنون !.. أنت الآن تتحدث مع نفسك ..
ـ لن أرد عليك .. أنت لست موجودا ً أصلا ً ..
* أضحكتني !.. هل صدقت الكلام التافه الذي يقوله لك طبيبك ؟.. لعبت برأسك أقراص الأدوية التي تتناولها وجعلتك تنكرني الآن !
ـ أسكت .. أســـ .. كـ .. ت .. أخرج من رأسي أرجوووك ..
أعود إلى أوراقي ، وأتذكر أول مرة سمعت فيها صوتي في جهاز التسجيل :
أنكرته !.. حدثتني نفسي : هذا صوت شخص آخر . صوتي ليس أجمل من هذا الصوت ولا أقبح ، ولكنه ليس هذا الصوت الذي أسمعه الآن عبر جهاز التسجيل .
أين صوتي الحقيقي ، ومن أين أتى هذا الصوت الذي لا يشبه صوتي ؟!
لابد أنني كنت أراوغ المايكروفون الصغير في المسجل ، وهذا ما فعلته مع المرآة قبل قليل . كنت أراوغها .. أظن أن لي الكثير من الوجوه والأصوات الاحتياطية المخبأة داخلي ، وأدعوها للظهور عندما أشعر أن الأشياء تراقبني .
أعدت قراءة ما كتبته في ورقتي الأولى ، وضحكت كثيراً .. ضحكت بصوت مرتفع، وذلك عندما وصلت إلى عبارة (حدثتني نفسي) .. حدثتني نفسي ؟..
إذا من " أنا " ؟!.. وأينا " نفسي " ؟.. ومن الذي يستدرج الآخر للحديث ؟!
* أرجو أن لا تظن أنني " نفسك " !
نهضت من المقعد ..
ذهبت إلى الثلاجة ، وأخرجت أقراص الفاليوم ، وألتهمت ثلاث حبّات .. لعلي أنام .
الورقة رقم " 2"
رفحه ، أو : رفحا ، أو : رفحاء : ويتحوّل القلب إلى سرب حمام .. يطوقه الهديل والحنين .
وأي جملة تبدأ بهذه الـ " رفحاء " لا أدري إلى أين ستذهب بي .. فبإمكان رفحاء أن تأخذني إلى عوالم غريبة وعجيبة . تحوّلني إلى طفل يتيم مسكون بالحنين إلى أمه التي لم يرها ، ويحاول أن يصنع لها صورة خرافية عبر أحاديث الآخرين عنها .
* دخيلك .. جعلتني أشعر بالغثيان !..
هي ليست سوى مدينة صغيرة تقع في أقاصي الشمال السعودي ، تلك الجهة المنسية، فلا تجعلها بحديثك عنها تبدو وكأنها سان فرانسيسكو !
كل مدينة هي أنثى ، لهذا أرى أن العواصم والمدن الكبرى لسن سوى : عاهرات .. والمدن الصغيرة : أمهات .
ورفحاء أحيانا أراها أمي ، وأحيانا حبيبتي الاستثنائية .. وأحيانا ( عندما أغضب منها) عجوزاً شمطاء تُمارس السحر والشعوذة ، وتروّج الشائعات القذرة عن بعض البيوت البريئة .
رفحا ( بالهمزة أو بدونها ) لم تعــد قريـــــة .. ولكنها أيضا لم تصبح مدينة حتى الآن. هي شيء يقف بين الاثنين ، ولـهذا أشعرأنها تشبهني كثيرا ً ، لم أعد ذلك الولد البدوي الذي يفاخر بحكايا أجداده ولم أستطع أن أصبح ابن المدينة .. بل إنني أخاف من أخلاق المدن وعلاقاتها المرتبكة والمربكة .
ليست رفحاء وحدها الضائعة بين زمنين وشكلين ، بل إن أكثر المدن في بلادي تعيش هذا المأزق ، هي لم تحافظ على تاريخها الحقيقي – هذا إن كان لها تاريخ – ولم تستطع أن تكتب أو تنجز كتابة التاريخ الجديد . كل تاريخ رفحاء مكتوب بالصحراء التي تحاصرها من الجهات الأربع ، الأراضي التي لم يصلها العمران عامرة بالحكايات التي يرفضها التاريخ الرسمي . إلى الدرجة التي جعلتني أؤمن أن كل بناء جديد هو هدم لشيء جميل .
أشعر أحيانا أنني وهي من الكائنات المشوهة ، أو مثل تلك المخلوقات التي تعيش فترة انتقال تاريخية طويلة ( الفقمة : مثلاً ) هذا الكائن الذي لا تعرف هل هو بري أو بحري ، وهل حركة انتقاله تتجه به إلى البر أم أنه سيتحوّل بعد سنوات إلى كائن بحري ؟..
وأتذكر الآن كيف كان بعض بني عمومتي ، عندما كان بيتنا في الرياض يعج بالمسافرين القادمين منها ، يغضبون مني عندما اسألهم بمرح وأستفزاز " هاه .. كيف هي الاحوال في الفقمة " ؟ .. رغم أنهم يعلمون كم أحبها ، وكم أدخل في حوارات تتحوّل إلى خناقات لكي أقنع الآخرين أن رفحاء أهم وأجمل ألف مرة من الرياض العاصمة !
من يغضب منهم كثيراً أواسيه بقولي : "الخليج العربي بأكلمه ليس سوى فقمة كبيرة"!
في هذه الـ " رفحاء " التي أحبها – بكافة أشكالها ووجوهها – ولدتُ .. أنا محمد بن سلطان بن محمد الوطبان الشمري .. ولو أردتُ لواصلتُ عدّ أسماء أجدادي إلى "آدم " !
الورقة رقم " 3 "
البارحة ، في المقهى الإيطالي ، حدث معي أمر غريب ومفاجئ :
اقتحمت امرأة فاتنة طاولتي ، ورمت ورقة صغيرة على الطاولة ، وقالت لي دون مقدمات :
" مبروك ... لقد فزت بأكبر جائزة يانصيب في الكون " !
فاجأتني ، وغادرت قبل أن أنتبه لما كتبت في ورقتها الفواحة بالعطر !
فاجأتني ، ورحلتْ .. كان شعرها الفاحم يشير إلي مودعاً وهي تبتعد مع صديقتها ..
فاجأتني ، وألجمتْ لساني !
خرجتْ ، تتبعها ضحكات رفيقتها ، وتركتني بذهولي وارتباكي ، وبعض فرح طفولي يجتاح القلب ..
نظرتُ إلى الورقة الصغيرة وقرأتُ :
" أرجوك لا تستمع لـ " فيروز " فهي سبب رئيسي لأمراض القلب والشرايين " .
ثم وضعتْ رقم هاتفها !!
* مثل هذا الأمر المدهش – الخارج عن العادة السعودية – لا يمكن أن يحدث سوى في مدينة " جدة " . ولكن .. لا تنكر أنك كنت تراقبها من وراء زجاج نظارتك السوداء ، وكنت تتمنى في قرارة نفسك لو امتلكتَ الجرأة للحديث معها ومغازلتها .. ولكنك لم تكن شجاعا ً بما فيه الكفاية .. هي كانت أشجع منك !
رغم كل الحذر الذي اعتدت عليه في سنيني الأخيرة ، ورغم كل ما يستدعيه مثل هذا الموقف من حذر مبالغ إلا أني صرتُ أفكر في الاتصال بها.
منذ البارحة ، وأنا أقلّب هذه الورقة الصغيرة ..
كأنني أشم رائحة عطر ساحر وغريب ..
كأنني ألمس أطراف أصابعها ..
كأنني أقرأ في خطها الصغير الأنيق أشياء رائعة لم تكتب .. قد تـُـكتب !
كأنني .....
ولأول مرة ، أفكر بتجاوز تعليمات " الجهاز " المشددة !
سأشتري جهازاً ثالثاً وشريحةً جديدة للاتصال بهذه المجنونة الرائعة .
يالله .. كم هي بائسة هذه الحياة لو لم يكن فيها نساء .
* قلها ببساطة : هي بائسة بدون جنس .. حاول أن تتخلص من " الرقيب " !
الورقة رقم " 4 "
بالصدفة ، كانت إحدى القوافل تمر من هنا ، من هذا المكان .
وبالصدفة ، كانت معهم امرأة تحتضر .. وماتت في هذا المكان .
وبالصدفة ، تم اختيار هذا التل الصغير ، لتدفن بجانبه ، ويصبح علامة لقبرها .
كان اسم المرأة " رفحا " .
لاحقاً ، صار اسم التل الصغير " رفحا " .
مع مرور الوقت ، صار كل ما حول التل " رفحا " .
* بالصدفة !.. بالصدفة !.. بالصدفة !
تريد وبلغة شاعرية مثيرة ، ورغم أنف التاريخ ، أن تصنع تاريخا ً لجغرافيا مهملة .
ـ رأيك لا يهمني .. هل أستطيع أن أكمل ؟
* تفضّل .
في وقت ما ، صار هذا المكان الذي لم يكن سوى نقطة صغيرة في صحراء شاسعة ولاسعة ، مكانا ً مفضلا ً لبعض القبائل ، تمره في مصيفها ومشتاها ، وفي رحلات بحثها عن الماء والكلأ .
هنا تقاتل البدو على بئر ماء .
ومن هنا مرّت قوافل تجار " العقيلات " قادمة من قلب " نجد " في طريقها إلى " بغداد " و " الشام " .
ومن هنا مرّ الفرسان ، والشعراء ، والغزاة .
ومن هنا مرّ " الحسين " و " المتنبي " عليهما السلام !!
* هههاي .. أضحكتني !..
" عليهما السلام " إذا ً ؟
الآن بدأت تفهم اللعبة . أولاد وبنات الرواية الجديدة في السعودية ليسوا أفضل منك . هكذا تستطيع أن تستفز تياراً عريضاً ليبدأ بمهاجمتك، فأنت تعلم أن الحسين محل اتفاق ومحبة عند السنة والشيعة . وكما تعرف فالهجوم على أي عمل كتابي هو أفضل الوسائل للترويج له ..
برافو .. برافووو ..
وهنا ، وعلى أطراف " رفحاء " ترى " بركة زبيدة " هذا المشروع الذي أنشأته زوجــة الخليفــة العباسـي " هارون الرشيد " لسقاية الحجاج الذاهبين إلى مكة والقادمين منها.
ومن هنا أيضا ، مرّت هذه الأفعى المعدنية العملاقة ، ذيلها في الخليج العربي ورأسها في البحر المتوسط !
في منتصف القرن الماضي ، وتحديدا ً في عام 1948م ، وبأمر من الملك عبدالعزيز آل سعود ، قررت شركة " أرامكو " أن تمد أطول خط أنابيب " التابلاين " لضخ النفط ونقله من مصادره في المنطقة الشرقية على الخليج العربي، من " بقيق " تحديداً حتى " حيفا " الفلسطينية على ساحل البحر الأبيض المتوسط . وأتت الاحداث السياسية لتغيّر مساره إلى سواحل " صيدا " اللبنانية ، لتنقله الناقلات العملاقة من هناك إلى مستهلكيه في العالم الغربي .
بالصدفة ، يمر هذا الخط العملاق بـ " رفحاء " .
ويقرر المسؤولين في شركة " أرامكو " وضع محطات ضخ وصيانة لخط الأنابيب كل ثلاثمائة كيلومتر .. وبالصدفة تكون المحطة اللاحقة في " رفحاء " . وليست وحدها " رفحاء " فهناك في الجانب السعودي خمس مضخات :
النعيرية ـ القيصومة ـ رفحاء ـ عرعر ( وكانت تسمى : محافظة خط الأنابيب ) ـ وآخر محطة : طريف . ولابد لهذه المحطات من مهندسين وعمال ، وأمن لحمايتهم وحماية المحطة . ومستشفى صغير لعلاجهم ، ومعدات حديثة لاستخراج الماء الصالح للشرب من باطن الأرض.
وهكذا أتت الوجوه الغريبة من كافة المناطق والجهات ، يحملون أسماء عائلات وقبائل لا يعرفها أحد . هناك من أتوا كعمال في الشركة ، وهناك من أتى مع " الإمارة " ، وهناك من استوطن في هذا المكان الذي صار آمنا ً ، وهناك العائلات التي أتت من " القصيم " وما جاورها إلى هذه البلدة – التي بدأت تنمو – بحثا ً عن الرزق والتجارة .
تغيّر المشهد كثيراً : صارت هنالك بعض بيوت الطين بجانب الكثير من الخيام وبيوت الشعر . وفي وسط البلدة أنشئ أول مسجد ، وحول هذا المسجد تشكلت نواة سوق " رفحاء " من بعض الدكاكين الصغيرة . أما في الجهة اليسرى فكانت هناك " الوقفة " وهي سوق الغنم والإبل وصار البدو يأتون إليها من كافة الجهات المحيطة بـ " رفحاء " لشراء وبيع المواشي .. ويحدث أن يباع فيها ما هو أبعد من هذا !
أما " أرامكو " فبناؤها مختلف ، وحديث ، وتحيط به الأشجار وسياجٌ حديدي يمنع غير العاملين فيها من الدخول إليه . ينظر البدو إلى هذا المبنى بذهول وإعجاب ..وهم لا يعرفون منه شيئاً باستثناء المستشفى !.
صار في " رفحاء " مركز إمارة وشرطة وسجن .. ولاحقا ً – بعد سنوات – مدرسة ابتدائية يديرها شاب حجازي اسمه " أنور عبد القادر فلمبان " !
ولـ " رفحاء " حديّن .. حد قديم رُسم قبلها ، ويجعلها عراقية . وحد رُسم بعدها ، ويجعلها سعودية . ولا تدري هل كان هذا صدفة أيضاً ، أم أنه مهارة السياسي ، أم خطأ في رسومات الجغرافيين .
بهذا الشكل نشأت " رفحاء " الحديثة .
كأنها صدفة تاريخية جعلت الزمن ينتبه إليها ، ويقف عندها قليلا ً ..
أو كأن " رفحاء " ليست سوى خطأ مطبعي في وثيقة سياسية !
بعد أن استولى على بريده الالكتروني....(هاكرز) يكشف أخطر أسرار الكاتب محمد الرطيان
أجبر أحد الهاكرز الكاتب الصحفي والمثقف السعودي محمد الرطيان ، على إفشاء أحد أهم أسراره بعد أن استولى على بريده الالكتروني .
فقد تمكن أحد الأشخاص من سرقة البريد الالكتروني للرطيان (rotayyan@hotmail.com) ، الذي يحوي عدد من مراسلاته ، من بينها أوراقاً من رواية أنهى الرطيان كتابتها مؤخراً ، ويضع اللمسات الأخيرة عليها ، استعداداً لتسليمها لدار نشر لم يحددها بعد .
ووفقاً لما تسرّب من الراوية الأولى للرطيان التي وسمها بـ "ما تبقى من أوراق محمد الرطيان " ، فقد عدّها البعض بأنها ستكون الحدث الثقافي الأبرز لعام 2009 ، لما توافرت عليه من مقومات غاية في الإثارة ، امتداداً للتاريخ المثير للجدل لكاتبها ، الذي لازال يحصد نتاجه الأول "كتاب" نجاحات كبيرة رغم أن عمره لم يتجاوز بضعة شهور ، لكنها –أي الراوية- ربما لن تفسح في السعودية لتضمنها طروحات سياسية واجتماعية جريئة جداً ، وغاية في الإثارة ، مما يجعل التنافس متوقعاً بين دور النشر للظفر بالراوية !
وعمد الرطيان إلى نشر بعض الأوراق التي استولى عليها اللص الالكتروني ، في بعض المواقع الأدبية على شبكة الإنترنت ، خوفاً من تعرضها للسرقة ، خاصة وأن الرواية لم تر النور بعد .
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــــــــــــــــــــ
بعض الأوراق التي إستولى عليها اللص ، ونشرها محمد الرطيان في عدد من المواقع على شبكة الانترنت :
اعتاد الرواة على كتابة مثل هذه الكلمات :
هــذه الرواية عمل من صنع الخيال ، وأي تشابه بين أحداثها
أو أسماء الشخصيات الواردة فيها مع أحداث وشخصيات واقعية
هو مجرد مصادفة .
كم هي ساذجة وكاذبة هذه الكلمات !
إلى :
" تاء " .. امرأة لا تشبه بقية النساء
ــــــــــــــــــــــــــــــ
السادة الكرام / دار " السـاقي " للنشر والطباعة والتوزيع
تحية طيبة .. وبعد :
سبق لي قبل فترة الاتصال بأحد موظفي الدار – اسمه عصام – وأخبرته عن هذه الأوراق ومحتواها ، واتفقت معه على أن أرسلها لكم ، مضافاً إليها بعض ما كتبته بين ثنايا هذه الأوراق ، ظناً مني أن هناك ما يجب أن أقوله عن هذه الحكاية ...
هل قلت حكاية ؟
أنا – بصراحة – لا أعرف هل هي مذكرات ، أو حكاية أو رواية ، أم سيرة ذاتية ؟.. لا يعنيني الآن إلى أي شكل من أشكال الكتابة تنتمي هذه الأوراق .. الذي يعنيني أن ترى هذه الأوراق النور .. لأنني أظن أن هذه هي رغبة محمد الوطبان ، وأن هذا هوالسبب الذي جعله يأتمنني على أوراقه قبل أن يغيب . وأنا مستعدة لدفع ما تطلبونه مقابل الاهتمام بها ونشرها كما يليق .
وأعترف لكم أنني لا أجيد الكتابة ، حتى وإن كان هذا المكتوب " رسالة " عادية ( يخيّل لي الآن أن أحدكم سيقول ساخرا : لستِ بحاجة لهذا الإعتراف .. فما نقرأه الآن يكفيك هذا العناء ) لهذا لكم الحق كاملا ً بإعادة صياغة ما أكتبه ، على أن لا يمس المضمون . أما أوراق محمد الوطبان فأرجو أن تظل كما هي ، دون تعديل أو تبديل .. حتى الأوراق غير المكتملة ، تنشر بشكلها غير مكتملة !
وأكرر لكم ما قلته للأستاذ عصام سابقاً وهو أن تظل شخصيتي بعيدة عن وسائل الإعلام ، وأن يستمر التواصل معي عبر االبريد الإلكتروني .
هذه هي أوراق محمد الوطبان
وإن شئتم : هي أوراق أبو معاذ الطائي
وإن شاءت أيامي الحلوة : هي أوراق فارس سعيد .
ولا تستغربوا كثيراً ، فالثلاثة هم نفس الشخص ، ويخيّل لي أني عرفتهم جميعاً .. وأحببتهم جميعاً !
دمتم بخير
السيدة / تـاء
t1987t@gmail.com
جدة – السعودية
25 سبتمبر 2008 م
الورقة رقم " 1 "
ما الذي أحاول أن أقوله ؟
أحياناً أشعر أنني أقول كلاماً غير مرتب ، وأحياناً أقول كلاماً قد لا أفهمه .
هل يجب أن يكون لكل شيء معنى ؟!
هل أحاول عبر هذه الأوراق ، والتي لا أدري ما الذي سأقوله فيها لاحقاً ، أن أعالج نفسي ؟
هنالك من يرى أن الكتابة علاج ، وهناك من يقول إنها المرض !
كأن هذه الأوراق عيادة طبيب نفساني ، وعند الكتابة أستلقي على أريكته الأنيقة لأثرثر .
سيسألني عن علاقتي مع أمي ، وعن أول علاقة جنسية مارستها في حياتي ، ومع من مارستها ؟.. يخيّل لي أن الأطباء النفسانيين مجموعة من المرضى ، وأولهم السيّد " فرويد " .
كأنني سمعت وقع أقدام في ممر الدور الذي أسكن فيه !
* وقع أقدام في الممر ؟!.. أهاه !
والله لا يوجد من أصوات سوى تلك الأصوات التي تعبر في ممرات رأسك .
أنهض من مقعدي وأذهب إلى الباب لأنظر عبر العين السحريـة :
" إنه أحـد الجيران " .
* أي جار ؟!.. لا يوجد في هذا الدور سواك ، بل يخيّل لي أنك الساكن الوحيد في هذا المبنى بكافة أدواره الثلاثة . ألم تفكر ولو للحظة أن المبنى بأكمله قد يكون ملكاً لـ" الجهاز " ؟!
أردت أن أعود إلى مكاني لأكمل ما كتبته ولكنني لم أستطع ..
أنظر إلى منفضة السجائر " واحدة .. اثنتان .. ثلاث ... سبع سجائر في ساعة " !
أشعر بأمر مريب .. أنهض من مقعدي لأتفقد غرف شقتي الصغيرة بقلق .
أرفع طرف ستارة نافذة الصالة المطلة على الشارع :
" لا شيء " .
ألمح وجها ً يفزعني .. إنه وجهي في المرآة المثبتة فوق المغسلة ..
أنظر إلى وجهي في المرآة ، وأسأله : من أنت ؟
يقول لي : أنا .. أنت !
أرد بعصبية واضحة : ولكنك لا تشبهني ؟
يقول لي بهدوء : اسأل نفسك من الذي تغيّر فينا ؟.. ثم ستكتشف من الذي لم يعد شبيهاً بالآخر .
قلت له : أنت .. أينا ؟!
قال لي : أنا .. جميعكم !
قلت له : لا تراوغ ...
قاطعني بغضب : لا أراوغ !.. أنت الذي علمتني المراوغة . لم أكن سوى وجه محمد الوطبان ، والآن لا أدري هل أنا وجه محمد الوطبان أم وجه فارس سعيد أم وجه أبو معاذ .. أم أنني وجه رابع تخفيه ولا أعرف اسمه !
وأضاف : ولكن .. قل لي أنت .. من أنت ؟
قلت : أظنني .. أنت .
وانتهى الحوار بيننا ، ونحن لم نعرف أينا الآخر ؟
* يا إلهي .. هذا جنون !.. أنت الآن تتحدث مع نفسك ..
ـ لن أرد عليك .. أنت لست موجودا ً أصلا ً ..
* أضحكتني !.. هل صدقت الكلام التافه الذي يقوله لك طبيبك ؟.. لعبت برأسك أقراص الأدوية التي تتناولها وجعلتك تنكرني الآن !
ـ أسكت .. أســـ .. كـ .. ت .. أخرج من رأسي أرجوووك ..
أعود إلى أوراقي ، وأتذكر أول مرة سمعت فيها صوتي في جهاز التسجيل :
أنكرته !.. حدثتني نفسي : هذا صوت شخص آخر . صوتي ليس أجمل من هذا الصوت ولا أقبح ، ولكنه ليس هذا الصوت الذي أسمعه الآن عبر جهاز التسجيل .
أين صوتي الحقيقي ، ومن أين أتى هذا الصوت الذي لا يشبه صوتي ؟!
لابد أنني كنت أراوغ المايكروفون الصغير في المسجل ، وهذا ما فعلته مع المرآة قبل قليل . كنت أراوغها .. أظن أن لي الكثير من الوجوه والأصوات الاحتياطية المخبأة داخلي ، وأدعوها للظهور عندما أشعر أن الأشياء تراقبني .
أعدت قراءة ما كتبته في ورقتي الأولى ، وضحكت كثيراً .. ضحكت بصوت مرتفع، وذلك عندما وصلت إلى عبارة (حدثتني نفسي) .. حدثتني نفسي ؟..
إذا من " أنا " ؟!.. وأينا " نفسي " ؟.. ومن الذي يستدرج الآخر للحديث ؟!
* أرجو أن لا تظن أنني " نفسك " !
نهضت من المقعد ..
ذهبت إلى الثلاجة ، وأخرجت أقراص الفاليوم ، وألتهمت ثلاث حبّات .. لعلي أنام .
الورقة رقم " 2"
رفحه ، أو : رفحا ، أو : رفحاء : ويتحوّل القلب إلى سرب حمام .. يطوقه الهديل والحنين .
وأي جملة تبدأ بهذه الـ " رفحاء " لا أدري إلى أين ستذهب بي .. فبإمكان رفحاء أن تأخذني إلى عوالم غريبة وعجيبة . تحوّلني إلى طفل يتيم مسكون بالحنين إلى أمه التي لم يرها ، ويحاول أن يصنع لها صورة خرافية عبر أحاديث الآخرين عنها .
* دخيلك .. جعلتني أشعر بالغثيان !..
هي ليست سوى مدينة صغيرة تقع في أقاصي الشمال السعودي ، تلك الجهة المنسية، فلا تجعلها بحديثك عنها تبدو وكأنها سان فرانسيسكو !
كل مدينة هي أنثى ، لهذا أرى أن العواصم والمدن الكبرى لسن سوى : عاهرات .. والمدن الصغيرة : أمهات .
ورفحاء أحيانا أراها أمي ، وأحيانا حبيبتي الاستثنائية .. وأحيانا ( عندما أغضب منها) عجوزاً شمطاء تُمارس السحر والشعوذة ، وتروّج الشائعات القذرة عن بعض البيوت البريئة .
رفحا ( بالهمزة أو بدونها ) لم تعــد قريـــــة .. ولكنها أيضا لم تصبح مدينة حتى الآن. هي شيء يقف بين الاثنين ، ولـهذا أشعرأنها تشبهني كثيرا ً ، لم أعد ذلك الولد البدوي الذي يفاخر بحكايا أجداده ولم أستطع أن أصبح ابن المدينة .. بل إنني أخاف من أخلاق المدن وعلاقاتها المرتبكة والمربكة .
ليست رفحاء وحدها الضائعة بين زمنين وشكلين ، بل إن أكثر المدن في بلادي تعيش هذا المأزق ، هي لم تحافظ على تاريخها الحقيقي – هذا إن كان لها تاريخ – ولم تستطع أن تكتب أو تنجز كتابة التاريخ الجديد . كل تاريخ رفحاء مكتوب بالصحراء التي تحاصرها من الجهات الأربع ، الأراضي التي لم يصلها العمران عامرة بالحكايات التي يرفضها التاريخ الرسمي . إلى الدرجة التي جعلتني أؤمن أن كل بناء جديد هو هدم لشيء جميل .
أشعر أحيانا أنني وهي من الكائنات المشوهة ، أو مثل تلك المخلوقات التي تعيش فترة انتقال تاريخية طويلة ( الفقمة : مثلاً ) هذا الكائن الذي لا تعرف هل هو بري أو بحري ، وهل حركة انتقاله تتجه به إلى البر أم أنه سيتحوّل بعد سنوات إلى كائن بحري ؟..
وأتذكر الآن كيف كان بعض بني عمومتي ، عندما كان بيتنا في الرياض يعج بالمسافرين القادمين منها ، يغضبون مني عندما اسألهم بمرح وأستفزاز " هاه .. كيف هي الاحوال في الفقمة " ؟ .. رغم أنهم يعلمون كم أحبها ، وكم أدخل في حوارات تتحوّل إلى خناقات لكي أقنع الآخرين أن رفحاء أهم وأجمل ألف مرة من الرياض العاصمة !
من يغضب منهم كثيراً أواسيه بقولي : "الخليج العربي بأكلمه ليس سوى فقمة كبيرة"!
في هذه الـ " رفحاء " التي أحبها – بكافة أشكالها ووجوهها – ولدتُ .. أنا محمد بن سلطان بن محمد الوطبان الشمري .. ولو أردتُ لواصلتُ عدّ أسماء أجدادي إلى "آدم " !
الورقة رقم " 3 "
البارحة ، في المقهى الإيطالي ، حدث معي أمر غريب ومفاجئ :
اقتحمت امرأة فاتنة طاولتي ، ورمت ورقة صغيرة على الطاولة ، وقالت لي دون مقدمات :
" مبروك ... لقد فزت بأكبر جائزة يانصيب في الكون " !
فاجأتني ، وغادرت قبل أن أنتبه لما كتبت في ورقتها الفواحة بالعطر !
فاجأتني ، ورحلتْ .. كان شعرها الفاحم يشير إلي مودعاً وهي تبتعد مع صديقتها ..
فاجأتني ، وألجمتْ لساني !
خرجتْ ، تتبعها ضحكات رفيقتها ، وتركتني بذهولي وارتباكي ، وبعض فرح طفولي يجتاح القلب ..
نظرتُ إلى الورقة الصغيرة وقرأتُ :
" أرجوك لا تستمع لـ " فيروز " فهي سبب رئيسي لأمراض القلب والشرايين " .
ثم وضعتْ رقم هاتفها !!
* مثل هذا الأمر المدهش – الخارج عن العادة السعودية – لا يمكن أن يحدث سوى في مدينة " جدة " . ولكن .. لا تنكر أنك كنت تراقبها من وراء زجاج نظارتك السوداء ، وكنت تتمنى في قرارة نفسك لو امتلكتَ الجرأة للحديث معها ومغازلتها .. ولكنك لم تكن شجاعا ً بما فيه الكفاية .. هي كانت أشجع منك !
رغم كل الحذر الذي اعتدت عليه في سنيني الأخيرة ، ورغم كل ما يستدعيه مثل هذا الموقف من حذر مبالغ إلا أني صرتُ أفكر في الاتصال بها.
منذ البارحة ، وأنا أقلّب هذه الورقة الصغيرة ..
كأنني أشم رائحة عطر ساحر وغريب ..
كأنني ألمس أطراف أصابعها ..
كأنني أقرأ في خطها الصغير الأنيق أشياء رائعة لم تكتب .. قد تـُـكتب !
كأنني .....
ولأول مرة ، أفكر بتجاوز تعليمات " الجهاز " المشددة !
سأشتري جهازاً ثالثاً وشريحةً جديدة للاتصال بهذه المجنونة الرائعة .
يالله .. كم هي بائسة هذه الحياة لو لم يكن فيها نساء .
* قلها ببساطة : هي بائسة بدون جنس .. حاول أن تتخلص من " الرقيب " !
الورقة رقم " 4 "
بالصدفة ، كانت إحدى القوافل تمر من هنا ، من هذا المكان .
وبالصدفة ، كانت معهم امرأة تحتضر .. وماتت في هذا المكان .
وبالصدفة ، تم اختيار هذا التل الصغير ، لتدفن بجانبه ، ويصبح علامة لقبرها .
كان اسم المرأة " رفحا " .
لاحقاً ، صار اسم التل الصغير " رفحا " .
مع مرور الوقت ، صار كل ما حول التل " رفحا " .
* بالصدفة !.. بالصدفة !.. بالصدفة !
تريد وبلغة شاعرية مثيرة ، ورغم أنف التاريخ ، أن تصنع تاريخا ً لجغرافيا مهملة .
ـ رأيك لا يهمني .. هل أستطيع أن أكمل ؟
* تفضّل .
في وقت ما ، صار هذا المكان الذي لم يكن سوى نقطة صغيرة في صحراء شاسعة ولاسعة ، مكانا ً مفضلا ً لبعض القبائل ، تمره في مصيفها ومشتاها ، وفي رحلات بحثها عن الماء والكلأ .
هنا تقاتل البدو على بئر ماء .
ومن هنا مرّت قوافل تجار " العقيلات " قادمة من قلب " نجد " في طريقها إلى " بغداد " و " الشام " .
ومن هنا مرّ الفرسان ، والشعراء ، والغزاة .
ومن هنا مرّ " الحسين " و " المتنبي " عليهما السلام !!
* هههاي .. أضحكتني !..
" عليهما السلام " إذا ً ؟
الآن بدأت تفهم اللعبة . أولاد وبنات الرواية الجديدة في السعودية ليسوا أفضل منك . هكذا تستطيع أن تستفز تياراً عريضاً ليبدأ بمهاجمتك، فأنت تعلم أن الحسين محل اتفاق ومحبة عند السنة والشيعة . وكما تعرف فالهجوم على أي عمل كتابي هو أفضل الوسائل للترويج له ..
برافو .. برافووو ..
وهنا ، وعلى أطراف " رفحاء " ترى " بركة زبيدة " هذا المشروع الذي أنشأته زوجــة الخليفــة العباسـي " هارون الرشيد " لسقاية الحجاج الذاهبين إلى مكة والقادمين منها.
ومن هنا أيضا ، مرّت هذه الأفعى المعدنية العملاقة ، ذيلها في الخليج العربي ورأسها في البحر المتوسط !
في منتصف القرن الماضي ، وتحديدا ً في عام 1948م ، وبأمر من الملك عبدالعزيز آل سعود ، قررت شركة " أرامكو " أن تمد أطول خط أنابيب " التابلاين " لضخ النفط ونقله من مصادره في المنطقة الشرقية على الخليج العربي، من " بقيق " تحديداً حتى " حيفا " الفلسطينية على ساحل البحر الأبيض المتوسط . وأتت الاحداث السياسية لتغيّر مساره إلى سواحل " صيدا " اللبنانية ، لتنقله الناقلات العملاقة من هناك إلى مستهلكيه في العالم الغربي .
بالصدفة ، يمر هذا الخط العملاق بـ " رفحاء " .
ويقرر المسؤولين في شركة " أرامكو " وضع محطات ضخ وصيانة لخط الأنابيب كل ثلاثمائة كيلومتر .. وبالصدفة تكون المحطة اللاحقة في " رفحاء " . وليست وحدها " رفحاء " فهناك في الجانب السعودي خمس مضخات :
النعيرية ـ القيصومة ـ رفحاء ـ عرعر ( وكانت تسمى : محافظة خط الأنابيب ) ـ وآخر محطة : طريف . ولابد لهذه المحطات من مهندسين وعمال ، وأمن لحمايتهم وحماية المحطة . ومستشفى صغير لعلاجهم ، ومعدات حديثة لاستخراج الماء الصالح للشرب من باطن الأرض.
وهكذا أتت الوجوه الغريبة من كافة المناطق والجهات ، يحملون أسماء عائلات وقبائل لا يعرفها أحد . هناك من أتوا كعمال في الشركة ، وهناك من أتى مع " الإمارة " ، وهناك من استوطن في هذا المكان الذي صار آمنا ً ، وهناك العائلات التي أتت من " القصيم " وما جاورها إلى هذه البلدة – التي بدأت تنمو – بحثا ً عن الرزق والتجارة .
تغيّر المشهد كثيراً : صارت هنالك بعض بيوت الطين بجانب الكثير من الخيام وبيوت الشعر . وفي وسط البلدة أنشئ أول مسجد ، وحول هذا المسجد تشكلت نواة سوق " رفحاء " من بعض الدكاكين الصغيرة . أما في الجهة اليسرى فكانت هناك " الوقفة " وهي سوق الغنم والإبل وصار البدو يأتون إليها من كافة الجهات المحيطة بـ " رفحاء " لشراء وبيع المواشي .. ويحدث أن يباع فيها ما هو أبعد من هذا !
أما " أرامكو " فبناؤها مختلف ، وحديث ، وتحيط به الأشجار وسياجٌ حديدي يمنع غير العاملين فيها من الدخول إليه . ينظر البدو إلى هذا المبنى بذهول وإعجاب ..وهم لا يعرفون منه شيئاً باستثناء المستشفى !.
صار في " رفحاء " مركز إمارة وشرطة وسجن .. ولاحقا ً – بعد سنوات – مدرسة ابتدائية يديرها شاب حجازي اسمه " أنور عبد القادر فلمبان " !
ولـ " رفحاء " حديّن .. حد قديم رُسم قبلها ، ويجعلها عراقية . وحد رُسم بعدها ، ويجعلها سعودية . ولا تدري هل كان هذا صدفة أيضاً ، أم أنه مهارة السياسي ، أم خطأ في رسومات الجغرافيين .
بهذا الشكل نشأت " رفحاء " الحديثة .
كأنها صدفة تاريخية جعلت الزمن ينتبه إليها ، ويقف عندها قليلا ً ..
أو كأن " رفحاء " ليست سوى خطأ مطبعي في وثيقة سياسية !