"يوتوبيا بورتسودان"

"يوتوبيا بورتسودان"

هذه المدينة حقاً جميلة جداً..انها تلك البقعة حيث تعانق الرمال الذهبية زرقة السماء.. و تعانق سفوح تلالها أمواج المياه.. سباق التطور و المستقبل.. و عراقة التاريخ و أصالة الأهل back, now and then... لدي من القناعة ما يكفي أنه لا يوجد مثيل لبورتسودانا في إجتماعياتها.. الناس كل الناس.. انك لو سألت اي احد في هذه الولاية عن اي احد لأجابك بالإيجاب تجده يعرفه، و يعرف أهله و من اي عائلة هو و من اي قبيلة .. الأمر الذي يشعرك بالأمان و الدفء و يشعرك بالهوية و بانك جزء من نسيج قوي و متآصل.. و قد لا يستوعب كلامي هذا الا من عاش في غربة منها و لو لحين، و لا اقصد بالغربة خارج السودان قد أعني داخل السودان في اي مدينة أخري يأخذك الحنين لها و للجميع ، الجميع هم اصدقاءك و اهللك و ناسك..
كل شيء فيها قد يجعل منها يوتوبيا .. لولا انه لا وجود ليوتوبيا علي سطح هذا الكوكب .. و حتي لو.. ان هذه المدينة جزء من هذه البلاد البائسة التي لا تعرف الخلاص.. عنق زجاجة، عنق زجاجة.. من عام 1990 و نحن نمر بعنق زجاجة!! أراهن علي ان هذا أنبوب إختبار ولا يمكن ان يكون زجاجة أبداً !! قد ترون انه من اللا وطنية ان اقول هكذا كلام علي بلادي و لكنها الحقيقة .. و الحقيقة رخيصة الثمن و بلا ثمن.. فلمّا تعللون أنفسكم بكلام باهت!! سيمر بترول الجنوب علي أرضنا و جنيهنا سيرتفع!! ظهر مصنع ** لتعدين الذهب و جنيهنا سيرتفع!! و بورتسودان نافذة سياحية و جنيهنا سيرتفع!! و غيرها كثير من الامور التي اكتسبت رنيناً رأسمالياً غريباً.. و لا نشعر بشيء ولا تنتعش الأسواق و الغلاء في ازدياد و الحال متقهقرة .. و نعلل انفسنا بكلام اكثر من باهت!! كلام لا لون له ولا طعم اصلاً!! انها الحجة الأسخف علي الإطلاق.. نقول أننا بلد فاضل و الأخلاق عندنا و تقيف!!
نقول أن باريس فاجرة و لندن غارقة في دوامة المخدرات و واشنطن غارقة في الجريمة.. و لكننا إذا قارنا إنجازات البلاد مع انجازتنا نحن لا شيء!! ان اللهو الذي أباحه الغربي لنفسه هو جزاء ساعات جادة من العمل .. يقدسون العمل.. نحن نعمل بفرق الجهد، الغرب يتحرك بمجموع الجهود.. الفرد هنا متميز لكن المجموع فاشل .. هنالك يوجد نظام مستقر يستفيد من كل جهد مهما صغر و كما يقولون : "لا احد يشعر بعمل السباك الا لو كان فاشلاً" .. كيف يحسب هؤلاء التعساء أنهم يعيشون و اي نوع من الحياة هذه!!
برغم كل هذا الجميع فرحون في هذه المدينة التي يحسبون انها متقدمة!! مهرجاناتها تكاد تكون نصف العام!! نصف عام من الحفلات و السهر و الرقص!! و لمّ !! من الذي أباح لنا الاحتفال و ما الذي انجزناه؟؟ لنرقص و نبتهج هكذا.. ما زلنا في قاع العالم الثالث و ما زلنا تحت خط الفقر و تحت خط التعلم و الصحة و بحفلاتنا هذه نحن نمثل إنسان أفريقيا القديم يعيش في الغابات و يخترع الرقصات و الطقوس الفلكلورية!! و لا ينتج غير أفواه تأكل هذا مثير للشفقة و السخرية حقاً!! (كسرة : رغم انو الحفلات عزة و برنامج و اصلي كيف و بتاع :P ) .
الوضع هكذا مستمر و يأتي الرئيس و يرقص و يأتي الوالي و يرقص و يفرح الجميع بورتسودان بورتسودان !! ان بورتسودان ليس فيها اي تقدم ان الحفلات و المهرجانات و الشوارع و المطاعم و المقاهي ليست تقدم لمن لا يعرف التقدم .. التقدم هو تحكيم العقل و الجلد في العمل .. أننا نتصرف كأننا نعيش في يوتوبيا عارمة لا أساس لها و نستنزف مشاعراً فياضة في حب الوطن و تمجيد الإنجازات الوهمية فلم لا نستغل هذه الطاقة و نحولها لطاقة إيجابية ..
«الختام تلخصه هذه الفقرة من كتاب حكايات مسافر للعبقري د. مصطفي محمود» :
و نحن نفتخر في الشرق بأننا عاطفيون؛ مع ان الاستسلام للعاطفة تأخر و ليس علامة تقدم؛ و إنما علامة التقدم ان تخضع عواطفنا لعقولنا؛ و تخضع عقولنا لإراداتنا؛ و تخضع إراداتنا لمثلنا العليا.
و برود الإنجليزي يدل على إرتقائه
و فوران الرجل الشرقي يدل على طفولته
و المجد أعمال و ليس دوواين حماسة
و في عبارة مختصرة ذكية قالها الانجليزي تلخيص القضية كلها :
-لا مانع عندنا ان نعطيكم نساءنا و نأخذ أراضيكم..
لأنه يعلم انه اذا اخذ أرضنا و خيراتنا فسوف يستعيد نساءه مع الوقت و يأخذ نساءنا أيضاً

و يبقى للشرف معنى واحد. انه.. العمل..العمل..العمل
إننا ما زلنا نفهم الشرف في بلادنا الشرقية بمفهوم ضيق جداً..فالشرف عندنا هو "التعفف عن الفاحشة".. و لا شك ان العفة شئ ضروري لسلامة المجتمع
لكن أيضاً يجب ان نفهم ان معنى الشرف لا ينحصر في المعنى هذا.. و إنما هو يشمل أيضاً..شرف الكلمة.. و شرف العمل.. و شرف المسئولية.. و انه يشمل نظافة الجسد و نظافة اليد و نظافة القلب

تـــفـــگـــروا

مشكوره ربي يسعدك
موضوع راق لي فلك مني جل شكر وتقديري

أشكر مرورك

,‘*
يعطيك آلعآفيـه على الطرح القيم والقصه
استمتعت كتير بقرائتها
وبِ إنتظآر المزيد من هذآ الفيض ,
لك أشهى الود و أجزلْ الشكرْ ,
طبت ب حُب وسَلآم .الوتين♥
ܓܨ